المسألة الثانية
[
nindex.php?page=treesubj&link=207النوم ]
اختلف العلماء في النوم على ثلاثة مذاهب : فقوم رأوا أنه حدث ، فأوجبوا من قليله وكثيره الوضوء ، وقوم رأوا أنه ليس بحدث فلم يوجبوا منه الوضوء إلا إذا تيقن بالحدث على مذهب من لا يعتبر الشك ، وإذا شك على مذهب من يعتبر الشك حتى إن بعض السلف كان يوكل بنفسه إذا نام من يتفقد حاله ( أعني : هل يكون منه حدث أم لا ؟ ) وقوم فرقوا بين النوم القليل الخفيف والكثير المستثقل ، فأوجبوا في الكثير المستثقل الوضوء دون القليل ، وعلى هذا فقهاء الأمصار والجمهور .
ولما كانت بعض الهيئات يعرض فيها الاستثقال من النوم أكثر من بعض ، وكذلك خروج الحدث ، اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال
مالك : من نام مضطجعا أو ساجدا فعليه الوضوء ، طويلا كان النوم أو قصيرا . ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلا أن يطول ذلك به . واختلف القول في مذهبه في الراكع ، فمرة قال : حكمه حكم القائم ، ومرة قال : حكمه حكم الساجد .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال : على كل نائم كيفما نام الوضوء إلا من نام جالسا ، وقال
أبو حنيفة وأصحابه : لا وضوء إلا على من نام مضطجعا .
وأصل اختلافهم في هذه المسألة اختلاف الآثار الواردة في ذلك ، وذلك أن ههنا أحاديث يوجب ظاهرها أنه ليس في النوم وضوء أصلا ، كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006935أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل إلى ميمونة فنام عندها حتى سمعنا غطيطه ، ثم صلى ولم يتوضأ " وقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006936إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإنه لعله يذهب أن يستغفر ربه فيسب نفسه " وما روي أيضا " أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا ينامون في المسجد حتى تخفق رءوسهم ، ثم يصلون ولا يتوضئون " وكلها آثار ثابتة ، وههنا أيضا أحاديث يوجب ظاهرها أن النوم حدث ، وأبينها في ذلك حديث
صفوان بن عسال ، وذلك أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006937كنا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا أن لا ننزع خفافنا من غائط وبول ونوم ، ولا ننزعها إلا من جنابة " فسوى بين البول والغائط والنوم ، صححه
الترمذي .
ومنها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتقدم ، وهو قوله - عليه
[ ص: 35 ] الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006938إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه " فإن ظاهره أن النوم يوجب الوضوء قليله وكثيره ، وكذلك يدل ظاهر آية الوضوء عند من كان عنده المعنى في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) أي إذا قمتم من النوم على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وغيره من السلف . فلما تعارضت ظواهر هذه الآثار ذهب العلماء فيها مذهبين : مذهب الترجيح ، ومذهب الجمع ; فمن ذهب مذهب الترجيح إما أسقط وجوب الوضوء من النوم أصلا على ظاهر الأحاديث التي تسقطه وإما أوجبه من قليله وكثيره على ظاهر الأحاديث التي توجبه أيضا ( أعني : على حسب ما ترجح عنده من الأحاديث الموجبة ، أو من الأحاديث المسقطة ) ومن ذهب مذهب الجمع حمل الأحاديث الموجبة للوضوء منه على الكثير ، والمسقطة للوضوء على القليل ، وهو كما قلنا مذهب الجمهور ، والجمع أولى من الترجيح ما أمكن الجمع عند أكثر الأصوليين .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإنما حملها على أن استثنى من هيئات النائم الجلوس فقط ; لأنه قد صح ذلك عن الصحابة ( أعني أنهم كانوا ينامون جلوسا ولا يتوضؤون ويصلون ) .
وإنما أوجبه
أبو حنيفة في النوم والاضطجاع فقط ; لأن ذلك ورد في حديث مرفوع ، وهو أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006939إنما الوضوء على من نام مضطجعا " والرواية بذلك ثابتة عن
عمر .
وأما
مالك فلما كان النوم عنده إنما ينقض الوضوء من حيث كان غالبا سببا للحدث ، راعى فيه ثلاثة أشياء : الاستثقال أو الطول أو الهيئة ، فلم يشترط في الهيئة التي يكون منها خروج الحدث غالبا لا الطول ولا الاستثقال ، واشترط ذلك في الهيئات التي لا يكون خروج الحدث منها غالبا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
[
nindex.php?page=treesubj&link=207النَّوْمُ ]
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّوْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : فَقَوْمٌ رَأَوْا أَنَّهُ حَدَثٌ ، فَأَوْجَبُوا مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْوُضُوءَ ، وَقَوْمٌ رَأَوْا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَلَمْ يُوجِبُوا مِنْهُ الْوُضُوءَ إِلَّا إِذَا تُيُقِّنَ بِالْحَدَثِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الشَّكَّ ، وَإِذَا شَكَّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَعْتَبِرُ الشَّكَّ حَتَّى إِنَّ بَعْضَ السَّلَفِ كَانَ يُوكِلُ بِنَفْسِهِ إِذَا نَامَ مَنْ يَتَفَقَّدُ حَالَهُ ( أَعْنِي : هَلْ يَكُونُ مِنْهُ حَدَثٌ أَمْ لَا ؟ ) وَقَوْمٌ فَرَّقُوا بَيْنَ النَّوْمِ الْقَلِيلِ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيرِ الْمُسْتَثْقِلِ ، فَأَوْجَبُوا فِي الْكَثِيرِ الْمُسْتَثْقِلِ الْوُضُوءَ دُونَ الْقَلِيلِ ، وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَالْجُمْهُورُ .
وَلَمَّا كَانَتْ بَعْضُ الْهَيْئَاتِ يَعْرِضُ فِيهَا الِاسْتِثْقَالُ مِنَ النَّوْمِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ الْحَدَثِ ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ سَاجِدًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، طَوِيلًا كَانَ النَّوْمُ أَوْ قَصِيرًا . وَمَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهِ . وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي مَذْهَبِهِ فِي الرَّاكِعِ ، فَمَرَّةً قَالَ : حُكْمُهُ حُكْمُ الْقَائِمِ ، وَمَرَّةً قَالَ : حُكْمُهُ حُكْمُ السَّاجِدِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَقَالَ : عَلَى كُلِّ نَائِمٍ كَيْفَمَا نَامَ الْوُضُوءُ إِلَّا مَنْ نَامَ جَالِسًا ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : لَا وُضُوءَ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا .
وَأَصْلُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ هَهُنَا أَحَادِيثَ يُوجِبُ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ وُضَوْءٌ أَصْلًا ، كَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006935أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ إِلَى مَيْمُونَةَ فَنَامَ عِنْدَهَا حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ " وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006936إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ " وَمَا رُوِيَ أَيْضًا " أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ " وَكُلُّهَا آثَارٌ ثَابِتَةٌ ، وَهَهُنَا أَيْضًا أَحَادِيثُ يُوجِبُ ظَاهِرُهَا أَنَّ النُّوَّمَ حَدَثٌ ، وَأَبْيَنُهَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ
صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006937كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ ، وَلَا نَنْزِعَهَا إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ " فَسَوَّى بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالنَّوْمِ ، صَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ .
وَمِنْهَا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
[ ص: 35 ] الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006938إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ " فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّوْمَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ ظَاهِرُ آيَةِ الْوُضُوءِ عِنْدَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ) أَيْ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ . فَلَمَّا تَعَارَضَتْ ظَوَاهِرُ هَذِهِ الْآثَارِ ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا مَذْهَبَيْنِ : مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ ، وَمَذْهَبَ الْجَمْعِ ; فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ إِمَّا أَسْقَطَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ أَصْلًا عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُسْقِطُهُ وَإِمَّا أَوْجَبَهُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُوجِبُهُ أَيْضًا ( أَعْنِي : عَلَى حَسَبِ مَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُوجِبَةِ ، أَوْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُسْقِطَةِ ) وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ حَمَلَ الْأَحَادِيثَ الْمُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ مِنْهُ عَلَى الْكَثِيرِ ، وَالْمُسْقِطَةَ لِلْوُضُوءِ عَلَى الْقَلِيلِ ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا حَمَلَهَا عَلَى أَنِ اسْتَثْنَى مِنْ هَيْئَاتِ النَّائِمِ الْجُلُوسَ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ ( أَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ جُلُوسًا وَلَا يَتَوَضَّؤُونَ وَيُصَلُّونَ ) .
وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ وَالِاضْطِجَاعِ فَقَطْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006939إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا " وَالرِّوَايَةُ بِذَلِكَ ثَابِتَةٌ عَنْ
عُمَرَ .
وَأَمَّا
مَالِكٌ فَلَمَّا كَانَ النَّوْمُ عِنْدَهُ إِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ حَيْثُ كَانَ غَالِبًا سَبَبًا لِلْحَدَثِ ، رَاعَى فِيهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ : الِاسْتِثْقَالَ أَوِ الطُّولَ أَوِ الْهَيْئَةَ ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْهَيْئَةِ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ غَالِبًا لَا الطُّولَ وَلَا الِاسْتِثْقَالَ ، وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الْهَيْئَاتِ الَّتِي لَا يَكُونُ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهَا غَالِبًا .