الفصل الثالث
في معرفة
nindex.php?page=treesubj&link=16540_16541الأيمان التي ترفعها الكفارة والتي لا ترفعها
وهذا الفصل أربع مسائل :
المسألة الأولى
اختلفوا في الأيمان بالله المنعقدة ، هل يرفع جميعها الكفارة ، سواء كان حلفا على شيء ماض أنه كان فلم يكن ( وهي التي تعرف باليمين الغموس ، وذلك إذا تعمد الكذب ) ; أو على شيء مستقبل أنه يكون من
[ ص: 336 ] قبل الحالف أو من قبل من هو بسببه فلم يكن . فقال الجمهور : ليس في اليمين الغموس كفارة ، وإنما الكفارة في الأيمان التي تكون في المستقبل إذا خالف اليمين الحالف ، وممن قال بهذا القول :
مالك ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة : يجب فيها الكفارة ، أي تسقط الكفارة الإثم فيها كما تسقطه في غير الغموس .
وسبب اختلافهم : معارضة عموم الكتاب للأثر ، وذلك أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين ) الآية ، توجب أن يكون في اليمين الغموس كفارة لكونها من الأيمان المنعقدة .
وقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006337من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار " يوجب أن اليمين الغموس ليس فيها كفارة .
ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي أن يستثني من الأيمان الغموس ما لا يقتطع بها حق الغير ، وهو الذي ورد فيه النص ، أو يقول : إن الأيمان التي يقتطع بها حق الغير قد جمعت الظلم والحنث ، فوجب ألا تكون الكفارة تهدم الأمرين جميعا ، أو ليس يمكن فيها أن تهدم الحنث دون الظلم ، لأن رفع الحنث بالكفارة إنما هو من باب التوبة ، وليس تتبعض التوبة في الذنب الواحد بعينه ، فإن تاب ورد المظلمة وكفر سقط عنه جميع الإثم .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي مَعْرِفَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=16540_16541الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا
وَهَذَا الْفَصْلُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى
اخْتَلَفُوا فِي الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ الْمُنْعَقِدَةِ ، هَلْ يَرْفَعُ جَمِيعَهَا الْكَفَّارَةُ ، سَوَاءٌ كَانَ حَلِفًا عَلَى شَيْءٍ مَاضٍ أَنَّهُ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ ( وَهِيَ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ ، وَذَلِكَ إِذَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ ) ; أَوْ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ
[ ص: 336 ] قِبَلِ الْحَالِفِ أَوْ مِنْ قِبَلِ مَنْ هُوَ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ . فَقَالَ الْجُمْهُورُ : لَيْسَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا خَالَفَ الْيَمِينَ الْحَالِفُ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ :
مَالِكٌ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ : يَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ ، أَيْ تُسْقِطُ الْكَفَّارَةُ الْإِثْمَ فِيهَا كَمَا تُسْقِطُهُ فِي غَيْرِ الْغَمُوسِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْكِتَابِ لِلْأَثَرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ) الْآيَةَ ، تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَفَارَّةٌ لِكَوْنِهَا مِنَ الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ .
وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006337مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ " يُوجِبُ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ .
وَلَكِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الْأَيْمَانِ الْغَمُوسِ مَا لَا يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ ، أَوْ يَقُولَ : إِنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ قَدْ جَمَعَتِ الظُّلْمَ وَالْحِنْثَ ، فَوَجَبَ أَلَّا تَكُونَ الْكَفَّارَةُ تَهْدِمُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ، أَوْ لَيْسَ يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَهْدِمَ الْحِنْثَ دُونَ الظُّلْمِ ، لِأَنَّ رَفْعَ الْحِنْثِ بِالْكَفَّارَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْبَةِ ، وَلَيْسَ تَتَبَعَّضُ التَّوْبَةُ فِي الذَّنْبِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَرَدَّ الْمَظْلَمَةَ وَكَفَّرَ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ الْإِثْمِ .