الموضع الثاني
[ من المعتبر رضاه في لزوم هذا العقد ؟ ]
وأما من المعتبر قبوله في صحة هذا العقد : فإنه يوجد في الشرع على ضربين :
أحدهما : يعتبر فيه
nindex.php?page=treesubj&link=10956رضا المتناكحين أنفسهما ( أعني : الزوج والزوجة ) إما مع الولي ، وإما دونه ، على مذهب من لا يشترط الولي في رضا المرأة المالكة أمر نفسها .
والثاني يعتبر فيه
nindex.php?page=treesubj&link=11013رضا الأولياء فقط .
وفي كل واحد من هذين الضربين مسائل اتفقوا عليها ، ومسائل اختلفوا فيها ، ونحن نذكر منها قواعدها وأصولها فنقول :
أما الرجال البالغون الأحرار المالكون لأمر أنفسهم : فإنهم اتفقوا على اشتراط رضاهم وقبولهم في صحة النكاح .
واختلفوا هل يجبر العبد على النكاح سيده ، والوصي محجوره البالغ أم ليس يجبره ؟ فقال
مالك : يجبر السيد عبده على النكاح ، وبه قال
أبو حنيفة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجبره .
والسبب في اختلافهم : هل النكاح من حقوق السيد أم ليس من حقوقه ؟
وكذلك اختلفوا في جبر الوصي محجوره ، والخلاف في ذلك موجود في المذهب .
وسبب اختلافهم : هل النكاح مصلحة من مصالح المنظور له ; أم ليس بمصلحة ; وإنما طريقه الملاذ ؟ وعلى القول بأن النكاح واجب ينبغي أن لا يتوقف في ذلك .
وأما النساء اللاتي يعتبر رضاهن في النكاح : فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006455والثيب تعرب عن نفسها " إلا ما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري .
واختلفوا في البكر البالغ وفي الثيب الغير البالغ ما لم يكن ظهر منها الفساد .
[ ص: 396 ] فأما البكر البالغ ، فقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى : للأب فقط أن يجبرها على النكاح . وقال
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وجماعة : لا بد من اعتبار رضاها ، ووافقهم
مالك في البكر المعنسة على أحد القولين عنه .
وسبب اختلافهم : معارضة دليل الخطاب في هذا للعموم : وذلك أن ما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006456لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها " . وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006457تستأمر اليتيمة في نفسها " خرجه
أبو داود ، والمفهوم منه بدليل الخطاب أن ذات الأب بخلاف اليتيمة .
وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المشهور : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006458والبكر تستأمر " يوجب بعمومه استئمار كل بكر ، والعموم أقوى من دليل الخطاب ، مع أنه خرج
مسلم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس زيادة ، وهو أنه قال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006459والبكر يستأذنها أبوها " وهو نص في موضع الخلاف .
وأما الثيب الغير البالغ ، فإن
مالكا وأبا حنيفة قالا : يجبرها الأب على النكاح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجبرها . وقال المتأخرون : إن في المذهب فيها ثلاثة أقوال : قول : إن الأب يجبرها ما لم تبلغ بعد الطلاق ، وهو قول
أشهب . وقول إنه يجبرها وإن بلغت ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون . وقول : إنه لا يجبرها وإن لم تبلغ ، وهو قول
أبي تمام . والذي حكيناه عن
مالك : هو الذي حكاه أهل مسائل الخلاف
كابن القصار وغيره عنه .
وسبب اختلافهم : معارضة دليل الخطاب للعموم :
وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006457تستأمر اليتيمة في نفسها ولا تنكح اليتيمة إلا بإذنها " ، يفهم منه أن ذات الأب لا تستأمر ; إلا ما أجمع عليه الجمهور من استئمار الثيب البالغ .
وعموم قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006460الثيب أحق بنفسها من وليها " يتناول البالغ وغير البالغ ، وكذلك قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006461لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح حتى تستأذن " يدل بعمومه على ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ولاختلافهم في هاتين المسألتين سبب آخر ، وهو استنباط القياس من موضع الإجماع ، وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الأب يجبر البكر غير البالغ ، وأنه لا يجبر الثيب البالغ إلا خلافا شاذا فيهما جميعا كما قلنا اختلفوا في موجب الإجبار ; هل هو البكارة أو الصغر ؟ فمن قال : الصغر قال : لا تجبر البكر البالغ . ومن قال : البكارة قال : تجبر البكر البالغ ، ولا تجبر الثيب الصغيرة . ومن قال : كل واحد منهما يوجب الإجبار إذا انفرد ، قال : تجبر البكر البالغ والثيب غير البالغ . والتعليل الأول تعليل
أبي حنيفة ، والثاني تعليل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والثالث تعليل
مالك . والأصول أكثر شهادة لتعليل
أبي حنيفة .
واختلفوا في الثيوبة التي ترفع الإجبار وتوجب النطق بالرضا أو الرد ، فذهب
مالك وأبو حنيفة إلى أنها الثيوبة التي تكون بنكاح صحيح أو شبهة نكاح أو ملك ، وأنها لا تكون بزنى ولا بغصب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : كل ثيوبة ترفع الإجبار .
وسبب اختلافهم : هل يتعلق الحكم بقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006460الثيب أحق بنفسها من وليها " بالثيوبة الشرعية أم بالثيوبة اللغوية ؟ .
واتفقوا على أن الأب يجبر ابنه الصغير على النكاح ، وكذلك ابنته الصغيرة البكر ولا يستأمرها لما ثبت :
[ ص: 397 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006462أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بنت ست أو سبع ، وبنى بها بنت تسع بإنكاح أبي بكر أبيها رضي الله عنه " إلا ما روي من الخلاف عن
ابن شبرمة .
واختلفوا من ذلك في مسألتين :
إحداهما : هل يزوج الصغيرة غير الأب ؟ والثانية : هل يزوج الصغير غير الأب ؟ [ المسألة الأولى ]
[
nindex.php?page=treesubj&link=11068هل يزوج الصغيرة غير الأب ؟ ]
فأما هل يزوج الصغيرة غير الأب أم لا ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يزوجها الجد أبو الأب والأب فقط . وقال
مالك : لا يزوجها إلا الأب فقط ، أو من جعل الأب له ذلك إذا عين الزوج إلا أن يخاف عليها الضيعة والفساد . وقال
أبو حنيفة : يزوج الصغيرة كل من له عليها ولاية من أب وقريب وغير ذلك ، ولها الخيار إذا بلغت .
وسبب اختلافهم : معارضة العموم للقياس ، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006458والبكر تستأمر وإذنها صماتها " يقتضي العموم في كل بكر إلا ذات الأب التي خصصها الإجماع ، إلا الخلاف الذي ذكرناه . وكون سائر الأولياء معلوما منهم النظر والمصلحة لوليتهم يوجب أن يلحقوا بالأب في هذا المعنى : فمنهم من ألحق به جميع الأولياء ، ومنهم من ألحق به الجد فقط ، لأنه في معنى الأب إذ كان أبا أعلى ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ومن قصر ذلك على الأب رأى أن ما للأب في ذلك غير موجود لغيره ; إما من قبل أن الشرع خصه بذلك ; وإما من قبل أن ما يوجد فيه من الرأفة والرحمة لا يوجد في غيره ، وهو الذي ذهب إليه
مالك رضي الله عنه ، وما ذهب إليه أظهر - والله أعلم - إلا أن يكون هنالك ضرورة .
وقد احتج الحنفية بجواز إنكاح الصغار غير الآباء بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) قال : واليتيم لا ينطلق إلا على غير البالغة .
والفريق الثاني قالوا : إن اسم اليتيم قد ينطلق على بالغة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006463تستأمر اليتيمة " والمستأمرة هي من أهل الإذن وهي البالغة ، فيكون لاختلافهم سبب آخر ، وهو اشتراك اسم اليتيم .
وقد احتج أيضا من لم يجز نكاح غير الأب لها بقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006463تستأمر اليتيمة في نفسها " قالوا : والصغيرة ليست من أهل الاستئمار باتفاق ، فوجب المنع ، ولأولئك أن يقولوا : إن هذا حكم اليتيمة التي هي من أهل الاستئمار ، وأما الصغيرة فمسكوت عنها .
[ المسألة الثانية ]
[
nindex.php?page=treesubj&link=11057هل يزوج الصغير غير الأب ؟ ]
وأما : هل يزوج الولي غير الأب الصغير ؟ فإن
مالكا أجازه للوصي ،
وأبا حنيفة أجازه للأولياء ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة أوجب الخيار له إذا بلغ ، ولم يوجب ذلك
مالك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ليس لغير الأب إنكاحه .
وسبب اختلافهم : قياس غير الأب في ذلك على الأب : فمن رأى أن الاجتهاد الموجود فيه الذي جاز
[ ص: 398 ] للأب به أن يزوج الصغير من ولده لا يوجد في غير الأب لم يجز ذلك . ومن رأى أنه يوجد فيه أجاز ذلك . ومن فرق بين الصغير في ذلك والصغيرة فلأن الرجل يملك الطلاق إذا بلغ ولا تملكه المرأة ، ولذلك جعل
أبو حنيفة لهما الخيار إذا بلغا .
الْمَوْضِعُ الثَّانِي
[ مَنِ الْمُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ ؟ ]
وَأَمَّا مَنِ الْمُعْتَبَرُ قَبُولُهُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ : فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يُعْتَبَرُ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=10956رِضَا الْمُتَنَاكِحَيْنِ أَنْفُسِهِمَا ( أَعْنِي : الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ ) إِمَّا مَعَ الْوَلِيِّ ، وَإِمَّا دُونَهُ ، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْوَلِيَّ فِي رِضَا الْمَرْأَةِ الْمَالِكَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا .
وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=11013رِضَا الْأَوْلِيَاءِ فَقَطْ .
وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ مَسَائِلُ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا ، وَمَسَائِلُ اخْتَلَفُوا فِيهَا ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا قَوَاعِدَهَا وَأُصُولَهَا فَنَقُولُ :
أَمَّا الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ الْأَحْرَارُ الْمَالِكُونَ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِمْ : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ رِضَاهُمْ وَقَبُولِهِمْ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجْبُرُ الْعَبْدَ عَلَى النِّكَاحِ سَيِّدُهُ ، وَالْوَصِيُّ مَحْجُورَهُ الْبَالِغَ أَمْ لَيْسَ يُجْبِرُهُ ؟ فَقَالَ
مَالِكٌ : يُجْبِرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يُجْبِرُهُ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ : هَلِ النِّكَاحُ مِنْ حُقُوقِ السَّيِّدِ أَمْ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهِ ؟
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي جَبْرِ الْوَصِيِّ مَحْجُورَهُ ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : هَلِ النِّكَاحُ مَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمَنْظُورِ لَهُ ; أَمْ لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ ; وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْمَلَاذُّ ؟ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا النِّسَاءُ اللَّاتِي يُعْتَبَرُ رِضَاهُنَّ فِي النِّكَاحِ : فَاتَّفَقُوا عَلَى اعْتِبَارِ رِضَا الثَّيِّبِ الْبَالِغِ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006455وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا " إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِكْرِ الْبَالِغِ وَفِي الثَّيِّبِ الْغَيْرِ الْبَالِغِ مَا لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ مِنْهَا الْفَسَادُ .
[ ص: 396 ] فَأَمَّا الْبِكْرُ الْبَالِغُ ، فَقَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : لِلْأَبِ فَقَطْ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى النِّكَاحِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ : لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا ، وَوَافَقَهُمْ
مَالِكٌ فِي الْبِكْرِ الْمُعَنَّسَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي هَذَا لِلْعُمُومِ : وَذَلِكَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006456لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ إِلَّا بِإِذْنِهَا " . وَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006457تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا " خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ ، وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَنَّ ذَاتَ الْأَبِ بِخِلَافِ الْيَتِيمَةِ .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006458وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ " يُوجِبُ بِعُمُومِهِ اسْتِئْمَارَ كُلِّ بَكْرٍ ، وَالْعُمُومُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ ، مَعَ أَنَّهُ خَرَّجَ
مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ زِيَادَةً ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006459وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا " وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ .
وَأَمَّا الثَّيِّبُ الْغَيْرُ الْبَالِغِ ، فَإِنَّ
مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالَا : يُجْبِرُهَا الْأَبُ عَلَى النِّكَاحِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يُجْبِرُهَا . وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ : إِنَّ فِي الْمَذْهَبِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ : قَوْلٌ : إِنَّ الْأَبَ يُجْبِرُهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَشْهَبَ . وَقَوْلٌ إِنَّهُ يُجْبِرُهَا وَإِنْ بَلَغَتْ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٍ . وَقَوْلٌ : إِنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي تَمَّامٍ . وَالَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ
مَالِكٍ : هُوَ الَّذِي حَكَاهُ أَهْلُ مَسَائِلِ الْخِلَافِ
كَابْنِ الْقَصَّارِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ لِلْعُمُومِ :
وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006457تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ إِلَّا بِإِذْنِهَا " ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَاتَ الْأَبِ لَا تُسْتَأْمَرُ ; إِلَّا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ اسْتِئْمَارِ الثَّيِّبِ الْبَالِغِ .
وَعُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006460الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا " يَتَنَاوَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَ الْبَالِغِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006461لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ " يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
وَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَبَبٌ آخَرُ ، وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْقِيَاسِ مِنْ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَبَ يُجْبِرُ الْبِكْرَ غَيْرَ الْبَالِغِ ، وَأَنَّهُ لَا يُجْبِرُ الثَّيِّبَ الْبَالِغَ إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا فِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا قُلْنَا اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْإِجْبَارِ ; هَلْ هُوَ الْبَكَارَةُ أَوِ الصِّغَرُ ؟ فَمَنْ قَالَ : الصِّغَرُ قَالَ : لَا تُجْبَرُ الْبِكْرُ الْبَالِغُ . وَمَنْ قَالَ : الْبَكَارَةُ قَالَ : تُجْبَرُ الْبِكْرَ الْبَالِغُ ، وَلَا تُجْبَرُ الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ . وَمَنْ قَالَ : كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْإِجْبَارَ إِذَا انْفَرَدَ ، قَالَ : تُجْبَرُ الْبِكْرُ الْبَالِغُ وَالثَّيِّبُ غَيْرُ الْبَالِغِ . وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ تَعْلِيلُ
أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّانِي تَعْلِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَالثَّالِثُ تَعْلِيلُ
مَالِكٍ . وَالْأُصُولُ أَكْثَرُ شَهَادَةً لِتَعْلِيلِ
أَبِي حَنِيفَةَ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الثُّيُوبَةِ الَّتِي تَرْفَعُ الْإِجْبَارَ وَتُوجِبُ النُّطْقَ بِالرِّضَا أَوِ الرَّدَّ ، فَذَهَبَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا الثُّيُوبَةُ الَّتِي تَكُونُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ بِزِنًى وَلَا بِغَصْبٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : كَلُّ ثُيُوبَةٍ تَرْفَعُ الْإِجْبَارِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : هَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006460الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا " بِالثُّيُوبَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ بِالثُّيُوبَةِ اللُّغَوِيَّةِ ؟ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَبَ يُجْبِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى النِّكَاحِ ، وَكَذَلِكَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ وَلَا يَسْتَأْمِرُهَا لِمَا ثَبَتَ :
[ ص: 397 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006462أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِنْتَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ ، وَبَنَى بِهَا بِنْتَ تِسْعٍ بِإِنْكَاحِ أَبِي بَكْرٍ أَبِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إِلَّا مَا رُوِيَ مِنَ الْخِلَافِ عَنِ
ابْنِ شُبْرُمَةَ .
وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : هَلْ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ ؟ وَالثَّانِيَةُ : هَلْ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ غَيْرُ الْأَبِ ؟ [ الْمَسْأَلَةُ الأُولَى ]
[
nindex.php?page=treesubj&link=11068هَلْ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ ؟ ]
فَأَمَّا هَلْ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : يُزَوِّجُهَا الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَالْأَبُ فَقَطْ . وَقَالَ
مَالِكٌ : لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا الْأَبُ فَقَطْ ، أَوْ مَنْ جَعَلَ الْأَبُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا عَيَّنَ الزَّوْجَ إِلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ وَالْفَسَادُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ كُلُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ مِنْ أَبٍ وَقَرِيبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006458وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا " يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي كُلِّ بَكْرٍ إِلَّا ذَاتَ الْأَبِ الَّتِي خَصَّصَهَا الْإِجْمَاعُ ، إِلَّا الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَكَوْنُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَعْلُومًا مِنْهُمُ النَّظَرُ وَالْمَصْلَحَةُ لِوَلِيَّتِهِمْ يُوجِبُ أَنْ يُلْحَقُوا بِالْأَبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى : فَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِهِ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِهِ الْجَدَّ فَقَطْ ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبِ إِذْ كَانَ أَبًا أَعْلَى ، وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ . وَمَنْ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ رَأَى أَنَّ مَا لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِغَيْرِهِ ; إِمَّا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّرْعَ خَصَّهُ بِذَلِكَ ; وَإِمَّا مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَا يُوجَدَ فِيهِ مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ لَا يُوجَدَ فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ
مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَظْهَرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ ضَرُورَةٌ .
وَقَدِ احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ إِنْكَاحِ الصِّغَارِ غَيْرُ الْآبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) قَالَ : وَالْيَتِيمُ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى غَيْرِ الْبَالِغَةِ .
وَالْفَرِيقُ الثَّانِي قَالُوا : إِنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى بَالِغَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006463تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ " وَالْمُسْتَأْمَرَةُ هِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ وَهِيَ الْبَالِغَةُ ، فَيَكُونُ لِاخْتِلَافِهِمْ سَبَبٌ آخَرُ ، وَهُوَ اشْتِرَاكُ اسْمِ الْيَتِيمِ .
وَقَدِ احْتَجَّ أَيْضًا مَنْ لَمْ يُجِزْ نِكَاحَ غَيْرِ الْأَبِ لَهَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006463تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا " قَالُوا : وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِئْمَارِ بِاتِّفَاقٍ ، فَوَجَبَ الْمَنْعُ ، وَلِأُولَئِكَ أَنْ يَقُولُوا : إِنَّ هَذَا حُكْمُ الْيَتِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِئْمَارِ ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهَا .
[ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ]
[
nindex.php?page=treesubj&link=11057هَلْ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ غَيْرُ الْأَبِ ؟ ]
وَأَمَّا : هَلْ يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ غَيْرُ الْأَبِ الصَّغِيرَ ؟ فَإِنَّ
مَالِكًا أَجَازَهُ لِلْوَصِيِّ ،
وَأَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَهُ لِلْأَوْلِيَاءِ ، إِلَّا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الْخِيَارَ لَهُ إِذَا بَلَغَ ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ
مَالِكٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ إِنْكَاحُهُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : قِيَاسُ غَيْرِ الْأَبِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ : فَمَنْ رَأَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمَوْجُودَ فِيهِ الَّذِي جَازَ
[ ص: 398 ] لِلْأَبِ بِهِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَ مِنْ وَلَدِهِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْأَبِ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ . وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِ أَجَازَ ذَلِكَ . وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ فِي ذَلِكَ وَالصَّغِيرَةِ فَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ إِذَا بَلَغَ وَلَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ
أَبُو حَنِيفَةَ لَهُمَا الْخِيَارَ إِذَا بَلَغَا .