الركن الثاني
في شروط العقد
وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : في الأولياء .
الثاني : في الشهود .
الثالث : في الصداق .
الفصل الأول
في الأولياء
- والنظر في الأولياء في مواضع أربعة :
الأول : في اشتراط الولاية في صحة النكاح .
الموضع الثاني : في صفة الولي .
[ ص: 399 ] الثالث : في أصناف الأولياء وترتيبهم في الولاية ، وما يتعلق بذلك .
الرابع : في عضل الأولياء من يلونهم ، وحكم الاختلاف الواقع بين الولي والمولى عليه .
الموضع الأول
[
nindex.php?page=treesubj&link=11011في اشتراط الولاية في صحة النكاح ]
اختلف العلماء هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أم ليست بشرط ؟ فذهب
مالك إلى أنه لا يكون نكاح إلا بولي ، وأنها شرط في الصحة في رواية
أشهب عنه ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
أبو حنيفة ،
وزفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جاز . وفرق
داود بين البكر والثيب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب . ويتخرج على رواية
ابن القاسم عن
مالك في الولاية قول رابع : أن اشتراطها سنة لا فرض ، وذلك أنه روي عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي ، وأنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلا من الناس على إنكاحها ، وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها ليعقد عليها ، فكأنه عنده من شروط التمام لا من شروط الصحة ، بخلاف عبارة البغداديين من أصحاب
مالك ( أعني : أنهم يقولون إنها من شروط الصحة لا من شروط التمام ) .
وسبب اختلافهم أنه لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلا عن أن يكون في ذلك نص ، بل الآيات والسنن التي جرت العادة بالاحتجاج بها عند من يشترطها هي كلها محتملة ، وكذلك الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك ، والأحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها مختلف في صحتها إلا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وإن كان المسقط لها ليس عليه دليل ، لأن الأصل براءة الذمة ، ونحن نورد مشهور ما احتج به الفريقان ونبين وجه الاحتمال في ذلك :
فمن أظهر ما يحتج به من الكتاب من اشترط الولاية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) قالوا : وهذا خطاب للأولياء ، ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نهوا عن العضل ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) قالوا : وهذا خطاب للأولياء أيضا .
ومن أشهر ما احتج به هؤلاء من الأحاديث ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
عروة عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006464أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ( ثلاث مرات ) ، وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " خرجه
الترمذي ، وقال فيه : حديث حسن .
وأما من احتج به من لم يشترط الولاية من الكتاب والسنة ; فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) قالوا : وهذا دليل على جواز تصرفها في العقد على نفسها . وقالوا : وقد أضاف إليهن في غير ما آية من الكتاب الفعل فقال : أن ينكحن أزواجهن وقال : حتى تنكح زوجا غيره .
وأما من السنة : فاحتجوا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المتفق على صحته ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006454الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها " . وبهذا الحديث احتج
داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى . فهذا مشهور ما احتج به الفريقان من السماع .
فأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ) فليس فيه أكثر من نهي قرابة المرأة وعصبتها من أن
[ ص: 400 ] يمنعوها النكاح ، وليس نهيهم عن العضل مما يفهم منه اشتراط إذنهم في صحة العقد لا حقيقة ولا مجازا ( أعني : بوجه من وجوه أدلة الخطاب الظاهرة أو النص ) ، بل قد يمكن أن يفهم منه ضد هذا ، وهو أن الأولياء ليس لهم سبيل على من يلونهم .
وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) هو أن يكون خطابا لأولي الأمر من المسلمين أو لجميع المسلمين أحرى منه أن يكون خطابا للأولياء ، وبالجملة فهو متردد بين أن يكون خطابا للأولياء أو لأولي الأمر .
فمن احتج بهذه الآية فعليه البيان أنه أظهر في خطاب الأولياء منه في أولي الأمر . فإن قيل : إن هذا عام ; والعام يشمل ذوي الأمر والأولياء ; قيل : إن هذا الخطاب إنما هو خطاب بالمنع ، والمنع بالشرع ، فيستوي فيه الأولياء وغيرهم ، وكون الولي مأمورا بالمنع بالشرع لا يوجب له ولاية خاصة في الإذن ، أصله الأجنبي ، ولو قلنا أنه خطاب للأولياء يوجب اشتراط إذنهم في صحة النكاح لكان مجملا لا يصح به عمل ، لأنه ليس فيه ذكر أصناف الأولياء ولا صفاتهم ومراتبهم ، والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ، ولو كان في هذا كله شرع معروف لنقل تواترا أو قريبا من التواتر ، لأن هذا مما تعم به البلوى ، ومعلوم أنه كان في
المدينة من لا ولي له ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد أنكحتهم ، ولا ينصب لذلك من يعقدها ، وأيضا فإن المقصود من الآية ليس هو حكم الولاية ، وإنما المقصود منها
nindex.php?page=treesubj&link=11444تحريم نكاح المشركين والمشركات ، وهذا ظاهر ، والله أعلم .
وأما حديث
عائشة فهو حديث مختلف في وجوب العمل به ، والأظهر أن ما لا يتفق على صحته أنه ليس يجب العمل به . وأيضا فإن سلمنا صحة الحديث فليس فيه إلا اشتراط إذن الولي لمن لها ولي ( أعني : المولى عليها ) ، وإن سلمنا أنه عام في كل امرأة فليس فيه أن المرأة لا تعقد على نفسها ( أعني : أن لا تكون هي التي تلي العقد ) بل الأظهر منه أنه إذا أذن الولي لها جاز أن تعقد على نفسها دون أن تشترط في صحة النكاح إشهاد الولي معها .
وأما ما احتج به الفريق الآخر من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) فإن المفهوم منه النهي عن التثريب عليهن فيما استبددن بفعله دون أوليائهن ، وليس هاهنا شيء يمكن أن تستبد به المرأة دون الولي إلا عقد النكاح ، فظاهر هذه الآية - والله أعلم - أن لها أن تعقد النكاح ، وللأولياء الفسخ إذا لم يكن بالمعروف ، وهو الظاهر من الشرع ، إلا أن هذا لم يقل به أحد ، وأن يحتج ببعض ظاهر الآية على رأيهم ولا يحتج ببعضها فيه ضعف . وأما إضافة النكاح إليهن فليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد ، لكن الأصل هو الاختصاص ، إلا أن يقوم الدليل على خلاف ذلك .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فهو لعمري ظاهر في الفرق بين الثيب والبكر ، لأنه إذا كان كل واحد منهما يستأذن ويتولى العقد عليهما الولي فبماذا - ليت شعري - تكون الأيم أحق بنفسها من وليها ؟ .
وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري هو أن يكون موافقا هذا الحديث أحرى من أن يكون معارضا له ، ويحتمل أن تكون التفرقة بينهما في السكوت والنطق فقط ، ويكون السكوت كافيا في العقد ، والاحتجاج بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) هو أظهر في أن المرأة تلي العقد من الاحتجاج بقوله :
[ ص: 401 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) على أن الولي هو الذي يلي العقد .
وقد ضعفت الحنفية حديث
عائشة ، وذلك أنه حديث رواه جماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أنه سأل
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عنه فلم يعرفه ، قالوا : والدليل على ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري لم يشترط الولاية ، ولا الولاية من مذهب
عائشة .
وقد احتجوا أيضا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006465لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " ولكنه مختلف في رفعه .
وكذلك اختلفوا أيضا في صحة الحديث الوارد في نكاح النبي عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وأمره لابنها أن ينكحها إياه .
وأما احتجاج الفريقين من جهة المعاني فمحتمل ، وذلك أنه يمكن أن يقال : إن الرشد إذا وجد في المرأة اكتفي به في عقد النكاح كما يكتفى به في التصرف في المال ، ويشبه أن يقال : إن المرأة مائلة بالطبع إلى الرجال أكثر من ميلها إلى تبذير الأموال ، فاحتاط الشرع بأن جعلها محجورة في هذا المعنى على التأبيد ، مع أن ما يلحقها من العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة إلى أوليائها ، لكن يكفي في ذلك أن يكون للأولياء الفسخ أو الحسبة ، والمسألة محتملة كما ترى ، لكن الذي يغلب على الظن أنه لو قصد الشارع اشتراط الولاية لبين جنس الأولياء وأصنافهم ومراتبهم ، فإن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، فإذا كان لا يجوز عليه - عليه الصلاة والسلام - تأخير البيان عن وقت الحاجة ; وكان عموم البلوى في هذه المسألة يقتضي أن تنقل اشتراط الولاية عنه صلى الله عليه وسلم تواترا أو قريبا من التواتر ، ثم لم ينقل ، فقد يجب أن يعتقد أحد أمرين : إما أنه ليست الولاية شرطا في صحة النكاح ، وإنما للأولياء الحسبة في ذلك ، وأما إن كان شرطا فليس من صحتها تمييز صفات الولي وأصنافهم ومراتبهم ، ولذلك يضعف قول من يبطل عقد الولي الأبعد مع وجود الأقرب .
الرُّكْنُ الثَّانِي
فِي شُرُوطِ الْعَقْدِ
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ :
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي الْأَوْلِيَاءِ .
الثَّانِي : فِي الشُّهُودِ .
الثَّالِثُ : فِي الصَّدَاقِ .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
فِي الْأَوْلِيَاءِ
- وَالنَّظَرُ فِي الْأَوْلِيَاءِ فِي مَوَاضِعَ أَرْبَعَةٍ :
الْأَوَّلُ : فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ .
الْمَوْضِعُ الثَّانِي : فِي صِفَةِ الْوَلِيِّ .
[ ص: 399 ] الثَّالِثُ : فِي أَصْنَافِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْوِلَايَةِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
الرَّابِعُ : فِي عَضْلِ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَلُونَهُمْ ، وَحُكْمِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى عَلَيْهِ .
الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ
[
nindex.php?page=treesubj&link=11011فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ]
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْوِلَايَةُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ أَمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ؟ فَذَهَبَ
مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحٌ إِلَّا بِوَلِيٍّ ، وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فِي رِوَايَةِ
أَشْهَبَ عَنْهُ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
وَزُفَرُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ : إِذَا عَقَدَتِ الْمَرْأَةُ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَكَانَ كُفُؤًا جَازَ . وَفَرَّقَ
دَاوُدُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الْبِكْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الثَّيِّبِ . وَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ
ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ فِي الْوِلَايَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ : أَنَّ اشْتِرَاطَهَا سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْمِيرَاثَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ غَيْرِ الشَّرِيفَةِ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا مِنَ النَّاسِ عَلَى إِنْكَاحِهَا ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُقَدِّمَ الثَّيِّبُ وَلَيَّهَا لِيَعْقِدَ عَلَيْهَا ، فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ شُرُوطِ التَّمَامِ لَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ ( أَعْنِي : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لَا مِنْ شُرُوطِ التَّمَامِ ) .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ آيَةٌ وَلَا سُنَّةٌ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ ، بَلِ الْآيَاتُ وَالسُّنَنُ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالِاحْتِجَاجِ بِهَا عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهَا هِيَ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ ، وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ وَالسُّنَنُ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ يَشْتَرِطُ إِسْقَاطَهَا هِيَ أَيْضًا مُحْتَمَلَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَالْأَحَادِيثُ مَعَ كَوْنِهَا مُحْتَمَلَةً فِي أَلْفَاظِهَا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهَا إِلَّا حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْقِطُ لَهَا لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَنَحْنُ نُورِدُ مَشْهُورَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ وَنُبَيِّنُ وَجْهَ الِاحْتِمَالِ فِي ذَلِكَ :
فَمِنْ أَظْهَرِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ مَنِ اشْتَرَطَ الْوِلَايَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) قَالُوا : وَهَذَا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْوِلَايَةِ لَمَا نُهُوا عَنِ الْعَضْلِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) قَالُوا : وَهَذَا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ أَيْضًا .
وَمِنْ أَشْهَرِ مَا احْتَجَّ بِهِ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006464أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا ، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ " خَرَّجَهُ
التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ فِيهِ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَأَمَّا مَنِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوِلَايَةَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) قَالُوا : وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا . وَقَالُوا : وَقَدْ أَضَافَ إِلَيْهِنَّ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْفِعْلَ فَقَالَ : أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَقَالَ : حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ .
وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ : فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006454الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا " . وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ
دَاوُدُ فِي الْفَرْقِ عِنْدَهُ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى . فَهَذَا مَشْهُورُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ مِنَ السَّمَاعِ .
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَهْيِ قَرَابَةِ الْمَرْأَةِ وَعَصَبَتِهَا مِنْ أَنْ
[ ص: 400 ] يَمْنَعُوهَا النِّكَاحَ ، وَلَيْسَ نَهْيُهُمْ عَنِ الْعَضْلِ مِمَّا يُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ إِذْنِهِمْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ( أَعْنِي : بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ أَدِلَّةِ الْخِطَابِ الظَّاهِرَةِ أَوِ النَّصِّ ) ، بَلْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ ضِدُّ هَذَا ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ لَيْسَ لَهُمْ سَبِيلٌ عَلَى مَنْ يَلُونَهُمْ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) هُوَ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَحْرَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْأَوْلِيَاءِ أَوْ لِأُولِي الْأَمْرِ .
فَمَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي خِطَابِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْهُ فِي أُولِي الْأَمْرِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا عَامٌّ ; وَالْعَامُّ يَشْمَلُ ذَوِي الْأَمْرِ وَالْأَوْلِيَاءَ ; قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ بِالْمَنْعِ ، وَالْمَنْعُ بِالشَّرْعِ ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَوْلِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ ، وَكَوْنُ الْوَلِيِّ مَأْمُورًا بِالْمَنْعِ بِالشَّرْعِ لَا يُوجِبُ لَهُ وِلَايَةً خَاصَّةً فِي الْإِذْنِ ، أَصْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ ، وَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ يُوجِبُ اشْتِرَاطَ إِذْنِهِمْ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لَكَانَ مُجْمَلًا لَا يَصِحُّ بِهِ عَمَلٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَصْنَافِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا صِفَاتِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ ، وَالْبَيَانُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَلَوْ كَانَ فِي هَذَا كُلِّهِ شَرْعٌ مَعْرُوفٌ لَنُقِلَ تَوَاتُرًا أَوْ قَرِيبًا مِنَ التَّوَاتُرِ ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِي
الْمَدِينَةِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْقِدُ أَنْكِحَتَهُمْ ، وَلَا يُنَصِّبُ لِذَلِكَ مَنْ يَعْقِدُهَا ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ الْوِلَايَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=11444تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
عَائِشَةَ فَهُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَا لَا يُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ . وَأَيْضًا فَإِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْحَدِيثِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا اشْتِرَاطُ إِذْنِ الْوَلِيِّ لِمَنْ لَهَا وَلِيٌّ ( أَعْنِي : الْمَوْلَى عَلَيْهَا ) ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةُ لَا تَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهَا ( أَعْنِي : أَنْ لَا تَكُونَ هِيَ الَّتِي تَلِي الْعَقْدَ ) بَلِ الْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ لَهَا جَازَ أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا دُونَ أَنْ تَشْتَرِطَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ إِشْهَادَ الْوَلِيِّ مَعَهَا .
وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْفَرِيقُ الْآخَرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ التَّثْرِيبِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا اسْتَبْدَدْنَ بِفِعْلِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِنَّ ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَبِدَّ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْوَلِيِّ إِلَّا عَقْدَ النِّكَاحِ ، فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ النِّكَاحَ ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ الْفَسْخُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الشَّرْعِ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ، وَأَنْ يُحْتَجَّ بِبَعْضِ ظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى رَأْيِهِمْ وَلَا يُحْتَجَّ بِبَعْضِهَا فِيهِ ضَعْفٌ . وَأَمَّا إِضَافَةُ النِّكَاحِ إِلَيْهِنَّ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِنَّ بِالْعَقْدِ ، لَكِنَّ الْأَصْلَ هُوَ الِاخْتِصَاصُ ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ لَعَمْرِي ظَاهِرٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَأْذَنُ وَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا الْوَلِيُّ فَبِمَاذَا - لَيْتَ شِعْرِي - تَكُونُ الْأَيِّمُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ؟ .
وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا هَذَا الْحَدِيثَ أَحْرَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي السُّكُوتِ وَالنُّطْقِ فَقَطْ ، وَيَكُونَ السُّكُوتُ كَافِيًا فِي الْعَقْدِ ، وَالِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) هُوَ أَظْهَرُ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلِي الْعَقْدَ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِهِ :
[ ص: 401 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ .
وَقَدْ ضَعَّفَتِ الْحَنَفِيَّةُ حَدِيثَ
عَائِشَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ ، قَالُوا : وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيَّ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوِلَايَةَ ، وَلَا الْوِلَايَةُ مِنْ مَذْهَبِ
عَائِشَةَ .
وَقَدِ احْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006465لَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ " وَلَكِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي نِكَاحِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أَمَّ سَلَمَةَ وَأَمْرِهِ لِابْنِهَا أَنْ يُنْكِحَهَا إِيَّاهُ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمَعَانِي فَمُحْتَمَلٌ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الرُّشْدَ إِذَا وُجِدَ فِي الْمَرْأَةِ اكْتُفِيَ بِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا يُكْتَفَى بِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْمَرْأَةَ مَائِلَةٌ بِالطَّبْعِ إِلَى الرِّجَالِ أَكْثَرَ مِنْ مَيْلِهَا إِلَى تَبْذِيرِ الْأَمْوَالِ ، فَاحْتَاطَ الشَّرْعُ بِأَنْ جَعَلَهَا مَحْجُورَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى التَّأْبِيدِ ، مَعَ أَنَّ مَا يَلْحَقُهَا مِنَ الْعَارِ فِي إِلْقَاءِ نَفْسِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ كَفَاءَةٍ إِلَى أَوْلِيَائِهَا ، لَكِنْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلْأَوْلِيَاءِ الْفَسْخُ أَوِ الْحِسْبَةُ ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ كَمَا تَرَى ، لَكِنَّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الشَّارِعُ اشْتِرَاطَ الْوِلَايَةِ لَبَيَّنَ جِنْسَ الْأَوْلِيَاءِ وَأَصْنَافَهُمْ وَمَرَاتِبَهُمْ ، فَإِنَّ تَأَخُّرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ; وَكَانَ عُمُومُ الْبَلْوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنْ تُنْقَلَ اشْتِرَاطُ الْوِلَايَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاتُرًا أَوْ قَرِيبًا مِنَ التَّوَاتُرِ ، ثُمَّ لَمْ يُنْقَلْ ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنَّهُ لَيْسَتِ الْوِلَايَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا لِلْأَوْلِيَاءِ الْحِسْبَةُ فِي ذَلِكَ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ شَرْطًا فَلَيْسَ مِنْ صِحَّتِهَا تَمْيِيزُ صِفَاتِ الْوَلِيِّ وَأَصْنَافِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ ، وَلِذَلِكَ يَضْعُفُ قَوْلُ مَنْ يُبْطِلُ عَقْدَ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ .