الموضع الثاني
في
nindex.php?page=treesubj&link=11186النظر في التقرر
واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو الموت :
أما وجوبه كله بالدخول : فلقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) الآية .
وأما وجوبه بالموت : فلا أعلم الآن فيه دليلا مسموعا إلا انعقاد الإجماع على ذلك .
واختلفوا هل من شرط وجوبه مع الدخول المسيس ، أم ليس ذلك من شرطه ، بل يجب بالدخول والخلوة ، وهو الذي يعنون بإرخاء الستور ؟ فقال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وداود : لا يجب بإرخاء الستور إلا نصف المهر ما لم يكن المسيس . وقال
أبو حنيفة : يجب المهر بالخلوة نفسها إلا أن يكون محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كانت المرأة حائضا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : يجب المهر كله بالدخول ولم يشترط في ذلك شيئا .
وسبب اختلافهم في ذلك : معارضة حكم الصحابة في ذلك لظاهر الكتاب ، وذلك أنه نص تبارك وتعالى في المدخول بها المنكوحة أنه ليس يجوز أن يؤخذ من صداقها شيء في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=21وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) . ونص في
nindex.php?page=treesubj&link=26785المطلقة قبل المسيس أن لها نصف الصداق ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وهذا نص كما ترى في حكم كل واحدة من هاتين الحالتين ( أعني : قبل المسيس ، وبعد المسيس ) ولا وسط بينهما ، فوجب بهذا إيجابا ظاهرا أن الصداق لا يجب إلا بالمسيس ، والمسيس هاهنا الظاهر من أمره أنه الجماع ، وقد يحتمل أن يحمل على أصله في اللغة وهو المس ، ولعل هذا هو الذي تأولت الصحابة ، ولذلك قال
مالك في العنين المؤجل : إنه قد وجب لها الصداق عليه إذا وقع الطلاق لطول مقامه معها ، فجعل له دون الجماع تأثيرا في إيجاب الصداق .
وأما الأحكام الواردة في ذلك عن الصحابة فهو : أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق لم يختلف عليهم في ذلك فيما حكموا .
واختلفوا من هذا الباب في فرع ، وهو إذا اختلفا في المسيس ( أعني : القائلين باشتراط المسيس ) ،
[ ص: 411 ] وذلك مثل أن
nindex.php?page=treesubj&link=24201تدعي هي المسيس وينكر هو ، فالمشهور عن
مالك أن القول قولها . وقيل : إن كان دخول بناء صدقت ، وإن كان دخول زيارة لم تصدق . وقيل : إن كانت بكرا نظر إليها النساء . فيتحصل فيها في المذهب ثلاثة أقوال ; وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأهل الظاهر : القول قوله ، وذلك لأنه مدعى عليه .
ومالك ليس يعتبر في وجوب اليمين على المدعى عليه من جهة ما هو مدعى عليه ; بل من جهة ما هو أقوى شبهة في الأكثر ، ولذلك يجعل القول في مواضع كثيرة قول المدعي إذا كان أقوى شبهة .
وهذا الخلاف يرجع إلى هل إيجاب اليمين على المدعى عليه معلل أو غير معلل ، وكذلك القول في وجوب البينة على المدعي ، وسيأتي هذا في مكانه .
الْمَوْضِعُ الثَّانِي
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11186النَّظَرِ فِي التَّقَرُّرِ
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ كُلُّهُ بِالدُّخُولِ أَوِ الْمَوْتِ :
أَمَّا وُجُوبُهُ كُلُّهُ بِالدُّخُولِ : فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ) الْآيَةَ .
وَأَمَّا وُجُوبُهُ بِالْمَوْتِ : فَلَا أَعْلَمُ الْآنَ فِيهِ دَلِيلًا مَسْمُوعًا إِلَّا انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهِ مَعَ الدُّخُولِ الْمَسِيسُ ، أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ ، بَلْ يَجِبُ بِالدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَعْنُونَ بِإِرْخَاءِ السُّتُورِ ؟ فَقَالَ
مَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ،
وَدَاوُدُ : لَا يَجِبُ بِإِرْخَاءِ السُّتُورِ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ مَا لَمْ يَكُنِ الْمَسِيسُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ نَفْسِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَائِضًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنُ أَبِي لَيْلَى : يَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ بِالدُّخُولِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ : مُعَارَضَةُ حُكْمِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَصَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الْمَنْكُوحَةِ أَنَّهُ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْءٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=21وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ) . وَنَصَّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26785الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ وَهَذَا نَصٌّ كَمَا تَرَى فِي حُكْمِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ ( أَعْنِي : قَبْلَ الْمَسِيسِ ، وَبَعْدَ الْمَسِيسِ ) وَلَا وَسَطَ بَيْنَهُمَا ، فَوَجَبَ بِهَذَا إِيجَابًا ظَاهِرًا أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْمَسِيسِ ، وَالْمَسِيسُ هَاهُنَا الظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ الْجِمَاعُ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَصْلِهِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ الْمَسُّ ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي تَأَوَّلَتِ الصَّحَابَةُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
مَالِكٌ فِي الْعِنِّينِ الْمُؤَجَّلِ : إِنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ عَلَيْهِ إِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِطُولِ مُقَامِهِ مَعَهَا ، فَجَعَلَ لَهُ دُونَ الْجِمَاعِ تَأْثِيرًا فِي إِيجَابِ الصَّدَاقِ .
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ : أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سَتْرًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فِيمَا حَكَمُوا .
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي فَرْعٍ ، وَهُوَ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسِيسِ ( أَعْنِي : الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ الْمَسِيسِ ) ،
[ ص: 411 ] وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24201تَدَّعِيَ هِيَ الْمَسِيسَ وَيُنْكِرَ هُوَ ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا . وَقِيلَ : إِنْ كَانَ دُخُولَ بِنَاءٍ صُدِّقَتْ ، وَإِنْ كَانَ دُخُولَ زِيَارَةٍ لَمْ تُصَدَّقْ . وَقِيلَ : إِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إِلَيْهَا النِّسَاءُ . فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ; وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ : الْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ .
وَمَالِكٌ لَيْسَ يَعْتَبِرُ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ; بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ أَقْوَى شُبْهَةً فِي الْأَكْثَرِ ، وَلِذَلِكَ يَجْعَلُ الْقَوْلَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ قَوْلَ الْمُدَّعِي إِذَا كَانَ أَقْوَى شُبْهَةً .
وَهَذَا الْخِلَافُ يَرْجِعُ إِلَى هَلْ إِيجَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُعَلَّلٌ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّلٍ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مَكَانِهِ .