الفصل الثاني
في شروط وجوب الكفارة فيه .
- وأما
nindex.php?page=treesubj&link=12158شروط وجوب الكفارة : فإن الجمهور على أنها لا تجب دون العود ، وشذ
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس فقالا : لا تجب دون العود .
ودليل الجمهور : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ) وهو نص في معنى وجوب تعلق الكفارة بالعود . وأيضا فمن طريق القياس ، فإن الظهار يشبه الكفارة في اليمين ، فكما أن الكفارة إنما تلزم بالمخالفة أو بإرادة المخالفة ، كذلك الأمر في الظهار .
وحجة
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس : أنه معنى يوجب الكفارة العليا ، فوجب أن يوجبها بنفسه لا بمعنى زائد تشبيها بكفارة القتل والفطر . وأيضا قالوا : إنه كان طلاق الجاهلية فنسخ تحريمه بالكفارة ، وهو معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثم يعودون لما قالوا ) والعود عندهم هو العود في الإسلام .
فأما القائلون باشتراط العود في إيجاب الكفارة ، فإنهم اختلفوا فيه ما هو ؟ .
فعن
مالك في ذلك ثلاث روايات :
إحداهن : أن العود هو أن يعزم على إمساكها والوطء معا .
والثانية : أن يعزم على وطئها فقط ، وهي الرواية الصحيحة المشهورة عن أصحابه ، وبه قال
أبو حنيفة ،
وأحمد .
والرواية الثالثة : أن العود هو نفس الوطء ، وهي أضعف الروايات عند أصحابه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : العود هو الإمساك نفسه ، قال : ومن مضى له زمان يمكنه أن يطلق فيه ولم يطلق ثبت أنه عائد ولزمته الكفارة ، لأن إقامته زمانا يمكن أن يطلق فيه من غير أن يطلق يقوم مقام إرادة الإمساك منه ، أو هو دليل ذلك .
وقال
داود وأهل الظاهر : العود هو أن يكرر لفظ الظهار ثانية ، ومتى لم يفعل ذلك فليس بعائد ولا كفارة عليه .
فدليل الرواية المشهورة
لمالك ينبني على أصلين :
أحدهما : أن المفهوم من الظهار هو أن وجوب الكفارة فيه إنما يكون بإرادته العود إلى ما حرم على نفسه بالظهار ، وهو الوطء ، وإذا كان ذلك كذلك وجب أن تكون العودة هي : إما الوطء نفسه ، وإما العزم عليه وإرادته .
والأصل الثاني : ليس يمكن أن يكون العود نفسه هو الوطء لقوله تعالى في الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) ، ولذلك كان الوطء محرما حتى يكفر . قالوا : ولو كان العود نفسه هو الإمساك لكان الظهار نفسه يحرم الإمساك فكان الظهار يكون طلاقا .
وبالجملة : فالمعول عليه عندهم في هذه المسألة هو الطريق الذي يعرفه الفقهاء بطريق السبر والتقسيم ،
[ ص: 481 ] وذلك أن معنى العود لا يخلو أن يكون تكرار اللفظ على ما يراه
داود ، أو الوطء نفسه ، أو الإمساك نفسه ، أو إرادة الوطء .
ولا يكون تكرار اللفظ ، لأن ذلك تأكيد ، والتأكيد لا يوجب الكفارة ، ولا يكون إرادة الإمساك للوطء ، فإن الإمساك موجود بعد ، فقد بقي أن يكون إرادة الوطء ، وإن كان إرادة الإمساك للوطء فقد أراد الوطء ، فثبت أن العود هو الوطء .
ومعتمد الشافعية في إجرائهم إرادة الإمساك ، أو الإمساك مجرى إرادة الوطء : أن الإمساك يلزم عنه الوطء ، فجعلوا لازم الشيء مشبها بالشيء ، وجعلوا حكمهما واحدا ، وهو قريب من الرواية الثانية; وربما استدلت الشافعية على أن إرادة الإمساك هو السبب في وجوب الكفارة : أن الكفارة ترتفع بارتفاع الإمساك ، وذلك إذا طلق إثر الظهار ، ولهذا احتاط
مالك في الرواية الثانية ، فجعل العود هو إرادة الأمرين جميعا ( أعني : الوطء والإمساك ) . وأما أن يكون العود الوطء فضعيف مخالف للنص ، والمعتمد فيها تشبيه الظهار باليمين ( أي : كما أن كفارة اليمين إنما تجب بالحنث كذلك الأمر هاهنا ) ، وهو قياس شبه عارضه النص .
وأما
داود : فإنه تعلق بظاهر اللفظ في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثم يعودون لما قالوا ) وذلك يقتضي الرجوع إلى القول نفسه .
وعند
أبي حنيفة : أنه العود في الإسلام إلى ما تقدم من ظهارهم في الجاهلية .
وعند
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : أن المعنى في الآية : ثم يعودون فيما قالوا .
وسبب الخلاف بالجملة إنما هو مخالفة الظاهر للمفهوم : فمن اعتمد المفهوم جعل العودة إرادة الوطء أو الإمساك ، وتأول معنى اللام في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثم يعودون لما قالوا ) بمعنى الفاء .
وأما من اعتمد الظاهر : فإنه جعل العودة تكرير اللفظ ، وأن العودة الثانية إنما هي ثانية للأولى التي كانت منهم في الجاهلية .
ومن تأول أحد هذين ، فالأشبه له أن يعتقد أن بنفس الظهار تجب الكفارة كما اعتقد ذلك
مجاهد ، إلا أن يقدر في الآية محذوفا وهو إرادة الإمساك ، فهنا إذا ثلاثة مذاهب : إما أن تكون العودة هي تكرار اللفظ ، وإما أن تكون إرادة الإمساك ، وإما أن تكون العودة التي هي في الإسلام .
وهذان ينقسمان قسمين ( أعني الأول والثالث ) : أحدهما أن يقدر في الآية محذوفا ، وهو إرادة الإمساك فيشترط هذه الإرادة في وجوب الكفارة ، وإما ألا يقدر فيها محذوفا فتجب الكفارة بنفس الظهار .
واختلفوا من هذا الباب في فروع وهو :
nindex.php?page=treesubj&link=12127_12184هل إذا طلق قبل إرادة الإمساك ، أو ماتت عنه زوجته ، هل تكون عليه كفارة أم لا ؟ فجمهور العلماء على أن لا كفارة عليه إلا أن يطلق بعد إرادة العودة ، أو بعد الإمساك بزمان طويل على ما يراه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي أن عليه الكفارة بعد الطلاق ، وأنها إذا
[ ص: 482 ] ماتت قبل إرادة العودة لم يكن له سبيل إلى ميراثها إلا بعد الكفارة ، وهذا شذوذ مخالف للنص ، والله أعلم .
الْفَصْلُ الثَّانِي
فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ .
- وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=12158شُرُوطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ : فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ دُونَ الْعَوْدِ ، وَشَذَّ
مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ فَقَالَا : لَا تَجِبُ دُونَ الْعَوْدِ .
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) وَهُوَ نَصٌّ فِي مَعْنَى وُجُوبِ تَعَلُّقِ الْكَفَّارَةِ بِالْعَوْدِ . وَأَيْضًا فَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ ، فَإِنَّ الظِّهَارَ يُشْبِهُ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ ، فَكَمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمُخَالَفَةِ أَوْ بِإِرَادَةِ الْمُخَالَفَةِ ، كَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي الظِّهَارِ .
وَحُجَّةُ
مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ : أَنَّهُ مَعْنَى يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْعُلْيَا ، فَوَجَبَ أَنْ يُوجِبَهَا بِنَفْسِهِ لَا بِمَعْنًى زَائِدٍ تَشْبِيهًا بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْفِطْرِ . وَأَيْضًا قَالُوا : إِنَّهُ كَانَ طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ تَحْرِيمُهُ بِالْكَفَّارَةِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ) وَالْعَوْدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعَوْدُ فِي الْإِسْلَامِ .
فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ الْعَوْدِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ مَا هُوَ ؟ .
فَعَنْ
مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ :
إِحْدَاهُنَّ : أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَالْوَطْءِ مَعًا .
وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا فَقَطْ ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَصْحَابِهِ ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
وَأَحْمَدُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ نَفْسُ الْوَطْءِ ، وَهِيَ أَضْعَفُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : الْعَوْدُ هُوَ الْإِمْسَاكُ نَفْسُهُ ، قَالَ : وَمَنْ مَضَى لَهُ زَمَانٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ وَلَمْ يُطَلِّقْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَائِدٌ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ، لِأَنَّ إِقَامَتَهُ زَمَانًا يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَلِّقَ يَقُومُ مَقَامَ إِرَادَةِ الْإِمْسَاكِ مِنْهُ ، أَوْ هُوَ دَلِيلُ ذَلِكَ .
وَقَالَ
دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ : الْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُكَرِّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ ثَانِيَةً ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِعَائِدٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
فَدَلِيلُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ
لِمَالِكٍ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الظِّهَارِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِيهِ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِرَادَتِهِ الْعَوْدَ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ بِالظِّهَارِ ، وَهُوَ الْوَطْءُ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَوْدَةُ هِيَ : إِمَّا الْوَطْءُ نَفْسُهُ ، وَإِمَّا الْعَزْمُ عَلَيْهِ وَإِرَادَتُهُ .
وَالْأَصْلُ الثَّانِي : لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ نَفْسُهُ هُوَ الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا حَتَّى يُكَفِّرَ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْعَوْدُ نَفْسُهُ هُوَ الْإِمْسَاكَ لَكَانَ الظِّهَارُ نَفْسُهُ يُحَرِّمُ الْإِمْسَاكَ فَكَانَ الظِّهَارُ يَكُونُ طَلَاقًا .
وَبِالْجُمْلَةِ : فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يُعَرِّفُهُ الْفُقَهَاءُ بِطَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ ،
[ ص: 481 ] وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْعَوْدِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَكْرَارَ اللَّفْظِ عَلَى مَا يَرَاهُ
دَاوُدُ ، أَوِ الْوَطْءَ نَفْسَهُ ، أَوِ الْإِمْسَاكَ نَفْسَهُ ، أَوْ إِرَادَةَ الْوَطْءِ .
وَلَا يَكُونُ تَكْرَارَ اللَّفْظِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَلَا يَكُونُ إِرَادَةَ الْإِمْسَاكِ لِلْوَطْءِ ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ بَعْدُ ، فَقَدْ بَقِيَ أَنْ يَكُونَ إِرَادَةَ الْوَطْءِ ، وَإِنْ كَانَ إِرَادَةَ الْإِمْسَاكِ لِلْوَطْءِ فَقَدْ أَرَادَ الْوَطْءَ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ .
وَمُعْتَمَدُ الشَّافِعِيَّةِ فِي إِجْرَائِهِمْ إِرَادَةَ الْإِمْسَاكِ ، أَوِ الْإِمْسَاكَ مَجْرَى إِرَادَةِ الْوَطْءِ : أَنَّ الْإِمْسَاكَ يَلْزَمُ عَنْهُ الْوَطْءُ ، فَجَعَلُوا لَازِمَ الشَّيْءِ مُشَبَّهًا بِالشَّيْءِ ، وَجَعَلُوا حُكْمَهُمَا وَاحِدًا ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ; وَرُبَّمَا اسْتَدَلَّتِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ إِرَادَةَ الْإِمْسَاكِ هُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ : أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِ الْإِمْسَاكِ ، وَذَلِكَ إِذَا طَلَّقَ إِثْرَ الظِّهَارِ ، وَلِهَذَا احْتَاطَ
مَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، فَجَعَلَ الْعَوْدَ هُوَ إِرَادَةَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ( أَعْنِي : الْوَطْءَ وَالْإِمْسَاكَ ) . وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ الْوَطْءَ فَضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ ، وَالْمُعْتَمَدُ فِيهَا تَشْبِيهُ الظِّهَارِ بِالْيَمِينِ ( أَيْ : كَمَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ إِنَّمَا تَجِبُ بِالْحِنْثِ كَذَلِكَ الْأَمْرُ هَاهُنَا ) ، وَهُوَ قِيَاسُ شَبَهٍ عَارَضَهُ النَّصُّ .
وَأَمَّا
دَاوُدُ : فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ) وَذَلِكَ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إِلَى الْقَوْلِ نَفْسِهِ .
وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ الْعَوْدُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ظِهَارِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
وَعِنْدَ
مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ : أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ : ثُمَّ يَعُودُونَ فِيمَا قَالُوا .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ بِالْجُمْلَةِ إِنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِلْمَفْهُومِ : فَمَنِ اعْتَمَدَ الْمَفْهُومَ جَعَلَ الْعَوْدَةَ إِرَادَةَ الْوَطْءِ أَوِ الْإِمْسَاكِ ، وَتَأَوَّلَ مَعْنَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ) بِمَعْنَى الْفَاءِ .
وَأَمَّا مَنِ اعْتَمَدَ الظَّاهِرَ : فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعَوْدَةَ تَكْرِيرَ اللَّفْظِ ، وَأَنَّ الْعَوْدَةَ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا هِيَ ثَانِيَةٌ لِلْأُولَى الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
وَمَنْ تَأَوَّلَ أَحَدَ هَذَيْنِ ، فَالْأَشْبَهُ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ بِنَفْسِ الظِّهَارِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ
مُجَاهِدٌ ، إِلَّا أَنْ يُقَدِّرَ فِي الْآيَةِ مَحْذُوفًا وَهُوَ إِرَادَةُ الْإِمْسَاكِ ، فَهُنَا إِذًا ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَوْدَةُ هِيَ تَكْرَارَ اللَّفْظِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِرَادَةَ الْإِمْسَاكِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَوْدَةَ الَّتِي هِيَ فِي الْإِسْلَامِ .
وَهَذَانِ يَنْقَسِمَانِ قِسْمَيْنِ ( أَعْنِي الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ ) : أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَدِّرَ فِي الْآيَةِ مَحْذُوفًا ، وَهُوَ إِرَادَةُ الْإِمْسَاكِ فَيُشْتَرَطُ هَذِهِ الْإِرَادَةُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ، وَإِمَّا أَلَّا يُقَدِّرَ فِيهَا مَحْذُوفًا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِنَفْسِ الظِّهَارِ .
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي فُرُوعٍ وَهُوَ :
nindex.php?page=treesubj&link=12127_12184هَلْ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ إِرَادَةِ الْإِمْسَاكِ ، أَوْ مَاتَتْ عَنْهُ زَوْجَتُهُ ، هَلْ تَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا ؟ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ إِرَادَةِ الْعَوْدَةِ ، أَوْ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ عَلَى مَا يَرَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ . وَحُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16542عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَأَنَّهَا إِذَا
[ ص: 482 ] مَاتَتْ قَبْلَ إِرَادَةِ الْعَوْدَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى مِيرَاثِهَا إِلَّا بَعْدَ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا شُذُوذٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .