[ ص: 279 ] فصل
قد يسوغ
nindex.php?page=treesubj&link=22322_22325للمجتهد أن يحمل نفسه من التكليف ما هو فوق الوسط بناء على ما تقدم في أحكام الرخص ، ولما كان مفتيا بقوله وفعله كان له أن يخفي ما لعله يقتدى به فيه ، فربما اقتدى به فيه من لا طاقة له بذلك العمل فينقطع ، وإن اتفق ظهوره للناس نبه عليه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، إذ كان قد فاق الناس عبادة وخلقا ، وكان - عليه الصلاة والسلام - قدوة ، فربما اتبع لظهور عمله فكان ينهى عنه في مواضع ، كنهيه عن الوصال ، ومراجعته
nindex.php?page=showalam&ids=59لعمرو بن العاص في سرد الصوم .
وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم [ الحجرات : 7 ] .
وأمر بحل الحبل الممدود بين الساريتين .
[ ص: 280 ] وأنكر على
الحولاء بنت تويت قيامها الليل .
وربما ترك العمل خوفا أن يعمل به الناس فيفرض عليهم .
ولهذا - والله أعلم - أخفى السلف الصالح أعمالهم ؛ لئلا يتخذوا قدوة مع ما كانوا يخافون عليه أيضا من رياء أو غيره ، وإذا كان الإظهار عرضة للاقتداء لم يظهر منه إلا ما صح للجمهور أن يحتملوه .
[ ص: 279 ] فَصْلٌ
قَدْ يَسُوغُ
nindex.php?page=treesubj&link=22322_22325لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يُحَمِّلَ نَفْسَهُ مِنَ التَّكْلِيفِ مَا هُوَ فَوْقَ الْوَسَطِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الرُّخَصِ ، وَلَمَّا كَانَ مُفْتِيًا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْفِيَ مَا لَعَلَّهُ يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ ، فَرُبَّمَا اقْتَدَى بِهِ فِيهِ مَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَيَنْقَطِعُ ، وَإِنِ اتَّفَقَ ظُهُورُهُ لِلنَّاسِ نَبَّهَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ، إِذْ كَانَ قَدْ فَاقَ النَّاسَ عِبَادَةً وَخُلُقًا ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُدْوَةً ، فَرُبَّمَا اتُّبِعَ لِظُهُورِ عَمَلِهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ ، كَنَهْيِهِ عَنِ الْوِصَالِ ، وَمُرَاجَعَتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=59لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي سَرْدِ الصَّوْمِ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [ الْحُجُرَاتِ : 7 ] .
وَأَمَرَ بِحَلِّ الْحَبْلِ الْمَمْدُودِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ .
[ ص: 280 ] وَأَنْكَرَ عَلَى
الْحَوْلَاءِ بِنْتِ تُوَيْتٍ قِيَامَهَا اللَّيْلَ .
وَرُبَّمَا تَرَكَ الْعَمَلَ خَوْفًا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ .
وَلِهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَخْفَى السَّلَفُ الصَّالِحُ أَعْمَالَهُمْ ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذُوا قُدْوَةً مَعَ مَا كَانُوا يَخَافُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ رِيَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْإِظْهَارُ عُرْضَةً لِلِاقْتِدَاءِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إِلَّا مَا صَحَّ لِلْجُمْهُورِ أَنْ يَحْتَمِلُوهُ .