الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        باب الصيد

                                        390 - الحديث الأول : عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ؟ وفي أرض صيد ، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم . فما يصلح لي ؟ قال : أما ما ذكرت - يعني من آنية أهل الكتاب - : فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها ، وكلوا فيها . وما صدت بقوسك ، فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم ، فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل } .

                                        التالي السابق


                                        " أبو ثعلبة الخشني " بضم الخاء وفتح الشين المعجمة : منسوب إلى بني خشين ، بطن من قضاعة وهو وائل بن نمر بن وبرة بن تغلب - بالغين المعجمة - بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة ، و " خشين " تصغير أخشن مرخما ، قيل : اسمه جرثوم بن ناشب ، أعني : اسم أبي ثعلبة . وفي الحديث مسائل : الأولى : أنه يدل على أن استعمال أواني أهل الكتاب يتوقف على الغسل ، واختلف الفقهاء في ذلك ، بناء على قاعدة تعارض الأصل والغالب وذكروا [ ص: 670 ] الخلاف فيمن يتدين باستعمال النجاسة من المشركين وأهل الكتاب كذلك ، وإن كان قد فرق بينهم وبين أولئك ; لأنهم يتدينون باستعمال الخمر ، أو يكثرون ملابستها ، فالنصارى : لا يجتنبون النجاسات ، ومنهم من يتدين بملابستها كالرهبان فلا وجه لإخراجهم ممن يتدين باستعمال النجاسات . والحديث جار على مقتضى ترجيح غلبة الظن فإن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل .



                                        الثانية : فيه دليل على جواز الصيد بالقوس والكلب معا . ولم يتعرض في الحديث للتعليم المشترط ، والفقهاء تكلموا فيه وجعلوا المعلم : ما ينزجر بالانزجار ، وينبعث بالإشلاء . ولهم نظر في غير ذلك من الصفات ، والقاعدة : أن ما رتب عليه الشرع حكما ، ولم يحد فيه حدا : يرجع فيه إلى العرف .



                                        الثالثة : فيه حجة لمن يشترط التسمية على الإرسال ; لأنه وقف الإذن في الأكل على التسمية ، والمعلق بالوصف ينتفي بانتفائه عند القائلين بالمفهوم . وفيه ههنا زيادة على كونه مفهوما مجردا وهو أن الأصل : تحريم أكل الميتة ، وما أخرج الإذن منها إلا ما هو موصوف بكونه مسمى عليه ، فغير المسمى عليه : يبقى على أصل التحريم ، داخلا تحت النص المحرم للميتة .



                                        الرابعة : الحديث يدل على أن المصيد بالكلب المعلم لا يتوقف على الذكاة ; لأنه فرق بينه وبين غير المعلم في إدراك الذكاة ، فإذا قتل الكلب الصيد بظفره أو نابه حل ، وإن قتله بثقله ، ففيه خلاف في مذهب الشافعي وقد يؤخذ من إطلاق الحديث : جواز أكله ، وفيه بعض الضعف أعني أخذ الحكم من هذا اللفظ .



                                        الخامسة : شرط عليه السلام في غير المعلم إذا صاد : أن تدرك ذكاة الصيد وهذا الإدراك يتعلق بأمرين :

                                        أحدهما : الزمن الذي يمكن فيه الذبح ، فإن أدركه ولم يذبح فهو ميتة ولو كان ذلك لأجل العجز عما يذبح به : لم يعذر في ذلك .

                                        الثاني : الحياة المستقرة ، كما ذكره الفقهاء فإن أدركه وقد أخرج حشوته ، أو أصاب نابه مقتلا ، فلا اعتبار بالذكاة حينئذ ، هذا على ما قاله الفقهاء .




                                        الخدمات العلمية