الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الاستيعاب الحضاري للقيم الإنسانية

        الأستاذ / عبد العال بوخلخال

        2- تيار التنافر:

        أو تيار الرفض المطلق لقيم الحضارة الغربية، وهو التيار الذي كان ردة فعله أيضا - على صدمة اللقاء مع الآخر - نفسية، وذلك بمحاولة التحصن بالذات والرجوع إلى الموروث، والتشبث به في مقابل الوافد.

        وقد مثل هذا الاتجاه، التيارات الدينية عموما وبعض مؤسساتها، مع تفاوت في درجة الرفض.

        فأصحاب هذا الاتجاه، رأوا أن خير وسيلة لاتقاء الطوفان المتدفق من وسائل الحضارة، ثم أفكارها وقيمها: الانكفاء على الذات ورفض الوافد، بشره وخيره، إن كان فيه خير!!! [ ص: 116 ]

        وهذا التيار يمثل حالة مرضية لا تقل عن حالة التيار الأول، فإذا كان تيار الذوبان أعطى حلا انتحاريا، بأن نقبل على هذه الحضارة وقيمها، نأخذها بحلوها ومرها، دون تحفظ... فإن هذا التيار أعطى حلا مستحيلا، إذ يطلب منا أن نغمض العين وندعي أن الواقع المتأزم قد زال، أو أن الخطر قد اختفى!!!

        دعاة الذوبان يدعوننا إلى أن ننسلخ من هويتنا، وهؤلاء يدعوننا أن ننسلخ من زماننا!!

        كانت بدايات هذا الاتجاه مع لحظات اللقاء الأولى مع الحضارة الغربية، حين كانت التيارات الدينية تقف موقف المتوجس من كل وافد غربي، فكانت فتاوى التحريم تشهر في وجه الوسائل المادية [1] التي تدخل إلى فضاء العالم الإسلامي، قبل أن يتنبه أولئك (الفقهاء) إلى أن الأخطر يكمن في القيم، التي وجدت في جمود العقل المسلم وتخلف الخطاب الديني فرصة للتسلل إلى عقول الناشئة من المسلمين، خصوصا أولئك الذين قدر لهم أن يتصلوا بالحضارة الغربية عن طريق البعثات، من القرن التاسع عشر إلى بدايات القرن العشرين.

        وهذه العقلية هي التي حاول المصلحون الأوائل تعديلها، والتقليل من غلوائها في الحفاظ على القديم؛ لأنه قديم. [ ص: 117 ]

        ولا تزال بمقولاتها الأساسية، المرتكزة على مفهوم خاطئ للبدعة، حية لدى بعض الجماعات، التي ترى في مخاصمة الجديد تحصينا للذات، لكنها تعبر - كما قلنا - عن حالة نفسية أكثر منها حالة وعي وإدراك عقلي، ولهذا لم تستطـع أن تـحصن الأمـة حقيقـة أمام سيل الحضارة الغربية الجارف.. إذ اكتفت بالرفض؛ والرفض موقف سلبي، يشبه الدعوة إلى إغلاق العينين أمام خطر داهم، وتمنية النفس بزواله!!!

        فمنذ عقود وفتاوى التحريم تترى وتتكاثر ... ومنذ عقود والغزو مستمر في شقه المادي، كما في شقه الفكري والثقافي!!!

        فتحريم المطبعة والهاتف والتلغراف، ولاحقا آلة التصوير... وغيرها من الوسائل, لم يمنعها من أن تغزو حياة المسلمين...

        وتحريم الديمقراطية وتوابعها، لم يمنع هذه القيم من أن تغزو حياة المسلمين أيضا!!!!

        هـذا المـوقـف كالمـوقـف الأول، ليس سوى مشكلة أخرى تضاف إلى الأمة وأزماتها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية