الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              1966 - أن أحمد بن عبدة حدثنا قال : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على نهر من ماء السماء في يوم صائف ، والمشاة كثير ، والناس صيام ، فوقف عليه ، فإذا فئام من الناس ، فقال : " يا أيها الناس ، اشربوا " فجعلوا ينظرون إليه قال : " إني لست مثلكم ، إني راكب وأنتم مشاة ، وإني أيسركم اشربوا " فجعلوا ينظرون إليه ما يصنع فلما أبوا حول وركه فنزل وشرب وشرب الناس .

              وخبر ابن عباس ، وأنس بن مالك خرجتهما في كتاب الصيام في كتاب الكبير .

              أفيجوز لجاهل أن يقول : الشرب جائز للصائم ، ولا يفطر الشرب الصائم ؟ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أصحابه وهو صائم بالشرب ، فلما امتنعوا شرب وهو صائم ، وشربوا ، فمن يعقل العلم ، ويفهم الفقه يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صار مضطرا وأصحابه بشرب الماء ، وقد كانوا نووا الصوم ، ومضى بهم بعض النهار ، وكان لهم أن يفطروا ، إذ كانوا في السفر لا في الحضر ، وكذلك كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتجم وهو صائم في السفر وإن كانت الحجامة تفطر الصائم ؛ لأن من جاز له الشرب - وإن كان الشرب مفطرا - جاز له الحجامة - وإن كان بالحجامة مفطرا - فأما ما احتج به بعض العراقيين في هذه المسألة أن الفطر مما يدخل ، وليس مما يخرج ، فهذا جهل وإغفال من قائله وتمويه على من لا يحسن العلم ولا يفهم الفقه وهذا القول من قائله خلاف دليل كتاب الله وخلاف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلاف قول أهل الصلاة من أهل الله جميعا إذا جعلت هذه اللفظة على ظاهرها قد دل الله في محكم تنزيله أن المباشرة هي الجماع في نهار الصيام ، والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد أوجب على المجامع في رمضان عتق رقبة إن وجدها وصيام شهرين متتابعين إن لم يجد الرقبة أو إطعام ستين مسكينا إن لم [ ص: 947 ] يستطع الصوم " ، والمجامع لا يدخل جوفه شيء في الجماع ، إنما يخرج منه مني إن أمنى ، وقد يجامع من غير إمناء في الفرج ، فلا يخرج من جوفه أيضا مني ، والتقاء الختانين من غير إمناء يفطر الصائم ، ويوجب الكفارة ولا يدخل جوف المجامع شيء ولا يخرج من جوفه شيء إذا كان المجامع هذه صفته ، والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد أعلم أن المستقيء عامدا يفطره الاستقاء على العمد ، واتفق أهل الصلاة وأهل العلم على أن الاستقاء على العمد يفطر الصائم ولو كان الصائم لا يفطره إلا ما يدخل جوفه ، كان الجماع والاستقاء لا يفطران الصائم .

              وجاء بعض أهل الجهل بأعجوبة في هذه المسألة ، فزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " لأنهما كانا يغتابان فإذا قيل له : فالغيبة تفطر الصائم ؟ زعم أنها لا تفطر الصائم ، فيقال له : فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندك إنما قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " لأنهما كانا يغتابان والغيبة عندك لا تفطر الصائم ، فهل يقول هذا القول من يؤمن بالله ، يزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم أمته أن المغتابين مفطران ، ويقول هو : بل هما صائمان غير مفطرين ، فخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوجب الله على العباد طاعته واتباعه ، ووعد الهدى على اتباعه ، وأوعد على مخالفيه ، ونفى الإيمان عمن وجد في نفسه حرجا من حكمه ، فقال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [ النساء : 65 ] الآية ، ولم يجعل الله - جل وعلا - لأحد خيرة فيما قضى الله ورسوله ، فقال - تبارك وتعالى - : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ الأحزاب : 36 ] . والمحتج بهذا الخبر إنما صرح بمخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نفسه ، بلا شبهة ولا تأويل يحتمل الخبر الذي ذكره ، إذا زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال للحاجم والمحجوم : [ ص: 948 ] مفطران لعلة غيبتهما ثم هو زعم أن الغيبة لا تفطر ، فقد جرد مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا شبهة ولا تأويل " .

              1967 - وقد روي عن المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد : : " رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في القبلة للصائم " والحجامة للصائم .

              حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثنا المعتمر ، وهذه اللفظة : والحجامة للصائم إنما هو من قول أبي سعيد الخدري ، لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدرج في الخبر . لعل المعتمر حدث بهذا حفظا فاندرج هذه الكلمة في خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال : قال أبو سعيد : ورخص في الحجامة للصائم ، فلم يضبط عنه : قال أبو سعيد ، فأدرج هذا القول في الخبر " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية