الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        226 - الحديث الخامس : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة . فقال المشركون : إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا ما بين الركنين ، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها : إلا الإبقاء عليهم }

                                        التالي السابق


                                        قيل : إن هذا القدوم لم يكن في الحجة ، وإنما كان في عمرة القضاء فأخذ من هذا : أنه نسخ منه عدم الرمل فيما بين الركنين . فإنه ثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر } وذكر : أنه كان في الحج فيكون متأخرا ، فيقدم على [ ص: 455 ] المتقدم .

                                        وفيه دليل على استحباب الرمل . والأكثرون على استحبابه مطلقا في طواف القدوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده . وإن كانت العلة التي ذكرها ابن عباس قد زالت . فيكون استحبابه في ذلك الوقت لتلك العلة ، وفيما بعد ذلك تأسيا واقتداء بما فعل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم . وفي ذلك من الحكمة : تذكر الوقائع الماضية للسلف الكرام ، وفي طي تذكرها : مصالح دينية . إذ يتبين في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى ، والمبادرة إليه ، وبذل الأنفس في ذلك . وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيرا من الأعمال التي وقعت في الحج ، ويقال فيها " إنها تعبد " ليست كما قيل . ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها : حصل لنا من ذلك تعظيم الأولين ، وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله ، فكان هذا التذكر باعثا لنا على مثل ذلك ، ومقررا في أنفسنا تعظيم الأولين . وذلك معنى معقول . مثاله : السعي بين الصفا والمروة . إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه : قصة هاجر مع ابنها ، وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية ، مع ما أظهره الله تعالى لهما من الكرامة ، والآية في إخراج الماء لهما - كان في ذلك مصالح عظيمة . أي في التذكر لتلك الحال . وكذلك " رمي الجمار " إذا فعلناه ، وتذكرنا أن سببه : رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده : حصل من ذلك مصالح عظيمة النفع في الدين .



                                        وفي الحديث : جواز تسمية الطوافات بالأشواط . لقوله " فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة " ونقل عن بعض المتقدمين وعن الشافعي : أنهما كرها هذه التسمية . والحديث على خلافه . وإنما ذكر في هذا الحديث " أنهم لم يرملوا بين الركنين اليمانيين " لأن المشركين لم يكونوا يرون المسلمين إذا كانوا في هذا المكان .




                                        الخدمات العلمية