الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4963 5263 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن إسماعيل، حدثنا عامر، عن مسروق قال: سألت عائشة عن الخيرة، فقالت: خيرنا النبي - صلى الله عليه وسلم -، أفكان طلاقا؟ قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني. [انظر: 2563 - مسلم: 1447 - فتح 9 \ 367].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئا.

                                                                                                                                                                                                                              وعنه أيضا سألها عن الخيرة فقالت: خيرنا النبي - صلى الله عليه وسلم -، أفكان طلاقا؟ قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني.

                                                                                                                                                                                                                              قد روي مثل قول مسروق عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم -، ومن التابعين عطاء، وسليمان بن يسار، وربيعة، والزهري، كلهم قالوا: إذا اختارت زوجها فليس بشيء، وهو قول أئمة الفتوى .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن علي وزيد بن ثابت: إن اختارت (زوجها) فواحدة،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 234 ] وهو قول الحسن البصري ، والأول هو الصحيح لحديث عائشة - رضي الله عنها -، وقد أوضحنا ذلك في تفسير سورة الأحزاب بزيادة.

                                                                                                                                                                                                                              والتخيير -كما سلف- هو أن يجعل الطلاق إلى المرأة، فإن لم تمتثل فلا شيء عليه كغيرها. والفرق بين التخيير والتمليك عند مالك أن قول الرجل: قد ملكتك. أي: قد ملكتك ما جعل الله لي من الطلاق واحدة، أو اثنتين أو ثلاثا، فلما جاز أن يملكها بعض ذلك دون بعض وادعى ذلك كان القول قوله مع يمينه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في الخيار: إذا اختارت نفسها المدخول بها فهو الطلاق كله، وإن أنكر زوجها فلا (تكن) وإن اختارت واحدة فليس بشيء، وإنما الخيار البتات وإما أخذته، وإما تركته ; لأن معنى التخيير: التسريح، قال تعالى: فتعالين أمتعكن [الأحزاب: 28] فمعنى التسريح: البتات; لأن الله تعالى قال: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والتسريح بإحسان هي الثالثة، كما سلف. وقال جماعة: أمرك بيدك، واختاري سواء.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشعبي: هو في قول عمر وعلي وزيد بن ثابت سواء ، وهو قول النخعي وحماد والزهري وسفيان والشافعي وأبي عبيد .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              اختلفت المالكية: هل له أن يناكرها في التخيير؟ فقال مالك وأكثر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 235 ] أصحابه: لا مناكرة له إذا طلقت ثلاثا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الجهم وسحنون: له أن يناكرها. واختلفا ما الذي يكون عليه، فقال سحنون: واحدة رجعية كالتمليك، وقال ابن الجهم: بائنة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سحنون: وأكثر أصحابنا يقولون به. ومثله حكى ابن خويزمنداد في الخيار عن مالك أن يحمله على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فرع: فإن خيرها فاختارت دون الثلاث، فقال مالك: ليس بشيء، وذلك إبطال لحقها، وقال عبد الملك: إنه اختيار الثلاث.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في كتاب محمد نحوه: إذا قضت بواحدة كانت البتة، فإن أرادت بعد ذلك أن تقضي على قول من أسقط ما اختارته، فالجماعة على أن ليس لها ذلك، إلا أشهب قال: لها أن ترجع تقضي. فالثلاث يحصل من هذا; لأن التخيير عند مالك ثلاث، فلا يناكرها، والتمليك له أن يناكرها ويحلف إذا أراد رجعتها عدا الصحيح.

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد: يحلف مكانه. وقال ابن سحنون: هما سواء يناكرها فيها . وقال الداودي: قال قوم في التخيير هما سواء; لقول مالك في التمليك. وقالوا في التمليك كقوله في التخيير.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول مسروق: لا أبالي، إلى آخره. فيه تقديم وتأخير، وذلك أنه قال: لا أبالي بعد أن تختاري أكنت خيرتها واحدة أو مائة، ذكره ابن التين.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: الخيرة: بكسر الخاء وفتح الياء، وهو من الخيار.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية