الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2016 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى أتى سوق بني قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة فقال أثم لكع أثم لكع فحبسته شيئا فظننت أنها تلبسه سخابا أو تغسله فجاء يشتد حتى عانقه وقبله وقال اللهم أحببه وأحب من يحبه قال سفيان قال عبيد الله أخبرني أنه رأى نافع بن جبير أوتر بركعة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبيد الله ) بالتصغير ، في رواية مسلم عن أحمد بن حنبل عن سفيان " حدثني عبيد الله " ولكنه أورده مختصرا جدا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن نافع بن جبير ) هو المذكور في الحديث الأول ، وليس له أيضا عن أبي هريرة في البخاري سوى هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في طائفة من النهار ) أي : في قطعة منه ، وحكى الكرماني أن في بعض الروايات " صائفة " بالصاد المهملة بدل طائفة أي : في حر النهار ، يقال : يوم صائف ، أي : حار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يكلمني ولا أكلمه ) أما من جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلعله كان مشغول الفكر بوحي أو غيره ، وأما من جانب أبي هريرة فللتوقير ، وكان ذلك من شأن الصحابة إذا لم يروا منه نشاطا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى أتى سوق بني قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة فقال ) هكذا في نسخ البخاري ، قال الداودي : سقط بعض الحديث عن الناقل ، أو أدخل حديثا في حديث ؛ لأن بيت فاطمة ليس في سوق بني قينقاع . انتهى . وما ذكره أولا احتمالا هو الواقع ، ولم يدخل للراوي حديث في حديث ، وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان فأثبت ما سقط منه ولفظه : " حتى جاء سوق بني قينقاع ، ثم انصرف حتى أتى فناء فاطمة " وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طرق عن سفيان ، وأخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فقال فيه : " حتى أتى فناء عائشة فجلس فيه " والأول أرجح ، والفناء بكسر الفاء بعدها نون ممدودة أي : الموضع المتسع أمام البيت .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 401 ] قوله : ( أثم لكع ) بهمزة الاستفهام بعدها مثلثة مفتوحة ، ولكع بضم اللام وفتح الكاف ، قال الخطابي : اللكع على معنيين : أحدهما الصغير ، والآخر اللئيم ، والمراد هنا الأول ، والمراد بالثاني ما ورد في حديث أبي هريرة أيضا : يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وقال ابن التين : زاد ابن فارس أن العبد أيضا يقال له : لكع . انتهى . ولعل من أطلقه على العبد أراد أحد الأمرين المذكورين . وقال بلال بن جرير التميمي : اللكع في لغتنا الصغير ، وأصله في المهر ونحوه . وعن الأصمعي : اللكع الذي لا يهتدي لمنطق ولا غيره ، مأخوذ من الملاكيع وهي التي تخرج من السلا . قال الأزهري : وهذا القول أرجح الأقوال هنا ؛ لأنه أراد أن الحسن صغير لا يهتدي لمنطق ، ولم يرد أنه لئيم ولا عبد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فحبسته شيئا ) أي : منعته من المبادرة إلى الخروج إليه قليلا ، والفاعل فاطمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فطننت أنها تلبسه سخابا ) بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة وبموحدة ، قال الخطابي : هي قلادة تتخذ من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة . وقال الداودي من قرنفل ، وقال الهروي : هو خيط من خرز يلبسه الصبيان والجواري ، وروى الإسماعيلي عن ابن أبي عمر أحد رواة هذا الحديث قال : السخاب شيء يعمل من الحنظل كالقميص والوشاح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أو تغسله ) في رواية الحميدي وتغسله بالواو .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجاء يشتد ) أي : يسرع في المشي ، في رواية عمر بن موسى عند الإسماعيلي : " فجاء الحسن " وفي رواية ابن أبي عمر عند الإسماعيلي : " فجاء الحسن أو الحسين " وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر فقال في روايته : " أثم لكع؟ يعني : حسنا " وكذا قال الحميدي في مسنده ، وسيأتي في اللباس من طريق ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ : " فقال : أين لكع ، ادع الحسن بن علي ، فقال الحسن بن علي يمشي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجاء يشتد حتى عانقه وقبله ) في رواية ورقاء : " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا . أي : مدها . فقال الحسن بيده هكذا فالتزمه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : اللهم أحبه ) بفتح أوله بلفظ : الدعاء ، وفي رواية الكشميهني : " أحببه " بفك الإدغام ، زاد مسلم عن ابن أبي عمر " فقال : اللهم إني أحبه فأحبه " . وفي الحديث بيان ما كان الصحابة عليه من توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشي معه ، وما كان عليه من التواضع من الدخول في السوق والجلوس بفناء الدار ، ورحمة الصغير والمزاح معه ، ومعانقته وتقبيله ، ومنقبة للحسن بن علي ، وسيأتي الكلام عليها في مناقبه ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال سفيان ) هو ابن عيينة ، وهو موصول بالإسناد المذكور .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عبيد الله أخبرني ) فيه تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز ، وعبيد الله هو شيخ سفيان في الحديث المذكور ، وأراد البخاري بإيراد هذه الزيادة بيان لقي عبيد الله لنافع بن جبير فلا تضر العنعنة في الطريق الموصولة ؛ لأن من ليس بمدلس إذا ثبت لقاؤه لمن حدث عنه حملت عنعنته على السماع اتفاقا ، وإنما الخلاف في المدلس ، أو فيمن لم يثبت لقيه لمن روى عنه . وأبعد الكرماني فقال : إنما ذكر الوتر هنا لأنه لما روى الحديث الموصول عن نافع بن جبير انتهز الفرصة لبيان ما ثبت في الوتر مما اختلف في جوازه [ ص: 402 ] والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية