الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وسلام عليه كملب )

                                                                                                                            ش : قال في المدونة : ويكره السلام على الملبي ، قال ابن يونس وكذلك المؤذن ، قاله في غير المدونة ، ونقله أبو الحسن وابن ناجي ، وقال صاحب الطراز : وأما السلام على المؤذن فالمذهب منعه ، وقال التونسي على القول بأنه يرد إشارة : يجوز السلام عليه كالمصلي انتهى . وينبغي أن يحمل المنع في كلامه على الكراهة والفرق بين الصلاة والأذان في جواز السلام على المصلي وكراهته على المؤذن أنه لما جاز للمصلي أن يرد إشارة جاز السلام عليه والمؤذن والملبي لا يردان إشارة فكره له السلام عليهما وإنما أجيز للمصلي أن يرد إشارة ، ولم يجز ذلك للمؤذن والملبي ; لأن الأذان عبادة وليس له في النفوس وقع كالصلاة فلو أجيز فيها إشارة لتطرق إلى الكلام بخلاف الصلاة فإنها لعظمها في النفوس لا يتطرق فيها من جواز الإشارة إلى الكلام والملبي كذلك ، قاله في التوضيح ، وقال أبو الحسن عن ابن يونس : لما كان [ ص: 459 ] الأذان لا يبطله الكلام وإنما هو مكروه وكان رد السلام واجبا لم يجز له أن يرد إلا كلاما فصار المسلم عليه أدخله بسلامه في الكراهة فنهي أن يسلم عليه حتى يفرغ مما هو فيه فإذا عصى وسلم عليه عوقب بأن لا يرد عليه كمنع القاتل الميراث لاستعجاله ذلك قبل وقته ، ونقل عبد الحق أن بعض الناس فرق بين ذلك بأن الصلاة لما كان شأنها يطول جعلت الإشارة للمصلي عوضا من الكلام ، والأذان والتلبية لا يطولان فيرد بعد الفراغ من ذلك ، وإن كان هذا يعترض عليه بمن كان في آخر صلاته انتهى . وقال ابن يونس في أول كلامه الأذان والصلاة : إن الأصل في جميعهم أن لا يسلم عليهم ولا يردون على من يسلم عليهم للعمل الذي هم فيه فخصت السنة جواز الرد بالإشارة في الصلاة ، وبقي الأذان على أصله انتهى .

                                                                                                                            ( فائدة ) قال أبو الحسن الصغير والذي يكره السلام عليهم خمسة : الملبي ، والمؤذن ، وقاضي الحاجة ، والآكل ، والشارب انتهى . وقال في المدخل قال علماؤنا رحمة الله عليهم أربعة لا يسلم عليهم فإن سلم عليهم أحد لا يستحق جوابا : الآكل ، والجالس لقضاء حاجة الإنسان ، والمؤذن ، والملبي ، وزاد بعضهم قارئ القرآن ذكره في فصل آداب الأكل ، وقال القرطبي في عورة النساء : ولا يسلم على من دخل الحمام وهو كاشف العورة أو كان مشغولا بما دخل له الحمام انتهى . وقال ابن ناجي في شرح الرسالة : لم نقف على أنه لا يسلم على الآكل انتهى . ونقل في باب السلام والاستئذان عن التادلي ما نصه : " قال ولا يسلم على الشابة ، والآكل ، وقاضي الحاجة ، والملبي ، والمؤذن ، وأهل البدع ، والكافر ، وأهل المعاصي ، ثم قال : قلت : وما ذكره من عدم السلام على الآكل لا أعرفه في المذهب ، وكذلك أنكره شيخناأبو مهدي لما سألته هل تعرفه أم لا ؟ انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) تقدم النص عليه في كلام أبي الحسن وصاحب المدخل ولم يذكروا المقيم صرح به الشبيبي في شرح الرسالة فقال : ولا يسلم على المؤذن ، والمقيم ، ولا يردان على من سلم عليهما ، وقيل : يردان إشارة ، وقيل : يردان بعد الفراغ ، وقيل : يردان كلاما ، قاله ابن أبي حازم وابن مسلمة ، وقال اللخمي : يرد بعد فراغه انتهى . ولا ينبغي أن يعد الثالث خلافا لما تقدم عند قول المصنف ولو بإشارة لكسلام ، وقال في المسائل الملقوطة : يكره السلام على الآكل ، وعلى الملبي ، وعلى المؤذن ، وعلى قاضي الحاجة ، وعلى المصلي ، وعلى البدعي ، وعلى الشابة ، وعلى اليهود ، وعلى النصارى ، وعلى القارئ ، وعلى أهل الباطل ، وعلى أهل اللهو حال تلبسهم به ، وعلى لاعب الشطرنج انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) وما ذكره من كراهة السلام على المصلي خلاف ما شهره المصنف في السهو ، وما ذكره من كراهة السلام على اليهود ، والنصارى ، وأهل البدع صرح به الجزولي في شرح قوله في الرسالة : ولا يبتدأ اليهود والنصارى بالسلام ، قال الجزولي وهذا على جهة الكراهة ، وكذلك أهل البدع من الخوارج ، والمعتزلة ، وكذلك الظلمة وأهل المعاصي اختلف في السلام عليهم ، ومذهب مالك : أنه لا ينبغي السلام عليهم زجرا لهم ، ثم اعترض على الشيخ أبي محمد في قوله فيمن يلعب الشطرنج : لا بأس أن يسلم عليهم ، ثم قال : أيريد في غير حال لعبهم بها ، وقيل : يكره السلام عليهم مطلقا ، وقال ابن ناجي في شرح الرسالة : يريد بعد انصرافهم وفراغهم من اللعب ، وأما في حالة اللعب فلا يجوز ; لأنهم متلبسون بمعصية ، ونقله عن ابن رشد في البيان .

                                                                                                                            ( قلت ) وهذا إذا لم يقامروا عليها ولم يلتهوا بها عن الصلاة في أوقاتها وأما إذا قامروا عليها أو تركوا الصلاة لأجلها حتى يخرج وقتها فهم من أهل المعاصي فيكره السلام عليهم ، وأما قول الشيخ في الرسالة فيكره الجلوس إلى من يلعب بها والنظر إليهم ، فقال ابن ناجي : الكراهة محمولة على التحريم وتردد في ذلك الجزولي وفي كلامه ميل إلى حمل الكراهة على بابها ، وأما السلام على الشابة ، فقال الفاكهاني في شرح العمدة في باب [ ص: 460 ] اللباس : ولا يسلم على الشابة بخلاف المتجالة انتهى . وصرح الجزولي بأنه يكره السلام على الشابة ، وأنه يجوز للشاب أن يسلم على المتجالة وللمتجالة أن تسلم على الشاب وتقدم في كلام ابن ناجي عن التادلي .

                                                                                                                            ( فائدة ) ، قال القرطبي في تفسير سورة النساء : مذهب مالك أن رد السلام على أهل الذمة غير واجب فيما روى عنه أشهب وابن وهب انتهى .

                                                                                                                            وقال الجزولي في شرح الرسالة وفي الرد عليهم قولان المشهور : أنه يرد عليهم وقيل : لا يرد عليهم انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ويجمع بين ما ، قاله القرطبي والجزولي : بأن الرد غير واجب ولكنه جائز .

                                                                                                                            ( فائدة ) قال في الإكمال في كتاب الحج في إرسال ابن عباس إلى أبي أيوب رضي الله عنهم يسأله عن الغسل ، قال الرسول فجئت فسلمت عليه ، وهو يغتسل ، قال عياض فيه دليل على جواز السلام على المتطهر ، والمتوضئ بخلاف من هو على الحدث ، وسلامه عليه ، وحديثه معه ، وهو بتلك الحال ; لأنه كان مستورا بثوبه انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) علم من كلام ابن يونس المتقدم أنه لو رد المؤذن السلام لم يبطل أذانه ولكنه فعل مكروها ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية