الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1196 وحدثنا صالح بن مسمار السلمي حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة قال انطلق أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم يحرم وحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عدوا بغيقة فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا من لحمه وخشينا أن نقتطع فانطلقت أطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع فرسي شأوا وأسير شأوا فلقيت رجلا من بني غفار في جوف الليل فقلت أين لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تركته بتعهن وهو قائل السقيا فلحقته فقلت يا رسول الله إن أصحابك يقرءون عليك السلام ورحمة الله وإنهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك انتظرهم فانتظرهم فقلت يا رسول الله إني أصدت ومعي منه فاضلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للقوم كلوا وهم محرمون

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( وتعهن ) المذكورة في هذا الحديث هي عين ماء هناك على ثلاثة أميال من السقيا ، وهي بتاء مثناة فوق مكسورة ومفتوحة ثم عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون ، قال القاضي عياض : هي بكسر التاء وفتحها ، قال : وروايتنا عن الأكثرين بالكسر ، قال : وكذا قيدها البكري في معجمه ، قال القاضي : [ ص: 281 ] [ ص: 282 ] وبلغني عن أبي ذر الهروي أنه قال : سمعت العرب تقولها بضم التاء وفتح العين وكسر الهاء ، وهذا ضعيف .

                                                                                                                وأما ( غيقة ) فهي بغين معجمة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم قاف مفتوحة ، وهي موضع من بلاد بني غفار ، بين مكة والمدينة ، قال القاضي : وقيل : هي بئر ماء لبني ثعلبة .

                                                                                                                قوله : ( فمنا المحرم ومنا غير المحرم ) قد يقال : كيف كان أبو قتادة وغيره منهم غير محرمين ، وقد جاوزوا ميقات المدينة ، وقد تقرر أن من أراد حجا أو عمرة لا يجوز له مجاوزة الميقات غير محرم ؟ قال القاضي - في جواب هذا - : قيل إن المواقيت لم تكن وقتت بعد ، وقيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل ، كما ذكره مسلم في الرواية الأخرى ، وقيل : إنه لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ، بل بعثه أهل المدينة بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ، وقيل : إنه خرج معهم ولكنه لم ينو حجا ولا عمرة ، قال القاضي : وهذا بعيد . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فسقط مني سوطي ، فقلت لأصحابي - وكانوا محرمين - : ناولوني السوط ، فقالوا : والله لا نعينك عليه بشيء ) وقال في الرواية الأخرى : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء ؟ قالوا : لا . قال : فكلوه ) هذا ظاهر في الدلالة على تحريم الإشارة والإعانة من المحرم في قتل الصيد ، وكذلك الدلالة عليه ، وكل سبب ، وفيه دليل للجمهور على أبي حنيفة في قوله : لا تحل الإعانة من المحرم إلا إذا لم يمكن اصطياده بدونها .

                                                                                                                قوله : ( فقال بعضهم : كلوه وقال بعضهم : لا تأكلوه ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هو حلال فكلوه ) فيه دليل على جواز الاجتهاد في مسائل الفروع والاختلاف فيها . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( هو حلال فكلوه ) صريح في أن الحلال إذا صاد صيدا ولم يكن من المحرم إعانة ولا إشارة ولا دلالة عليه ، حل للمحرم أكله ، وقد سبق أن هذا مذهب الشافعي والأكثرين .

                                                                                                                [ ص: 283 ] قوله : ( إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئا ) ، وفي الرواية الأخرى : ( يضحك بعضهم إلي ؛ إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش ) هكذا وقع في جميع نسخ بلادنا ( يضحك إلي ) بتشديد الياء ، قال القاضي : هذا خطأ وتصحيف ، ووقع في رواية بعض الرواة عن مسلم والصواب ( يضحك إلى بعض ) فأسقط لفظة ( بعض ) والصواب إثباتها كما هو مشهور في باقي الروايات ؛ لأنهم لو ضحكوا إليه لكانت إشارة منهم ، وقد قالوا : إنهم لم يشيروا إليه ، قلت : لا يمكن رد هذه الرواية ، فقد صحت هي والرواية الأخرى ، وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة إلى الصيدة ، فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة . قال العلماء : وإنما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد ، ولا قدرة لهم عليه لمنعهم منه . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فإذا حمار وحش ) وكذا ذكر في أكثر الروايات ( حمار وحش ) ، وفي رواية أبي كامل الجحدري : ( إذ رأوا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فأكلوا من لحمها ) فهذه الرواية تبين أن الحمار في أكثر الروايات المراد به أنثى وهي الأتان ، وسميت حمارا مجازا .




                                                                                                                الخدمات العلمية