الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما كان الخرص بالفتح وهو الحزر إنما يدخل في الثمر والعنب دون غيرهما أفاد المؤلف ذلك بصيغة الحصر مع بيان وقته مشيرا للعلة في ذلك بقوله ( وإنما يخرص التمر ) بمثناة ( العنب ) [ ص: 453 ] سواء كان شأنهما الجفاف أو لا كبلح مصر وعنبها ( إذا حل بيعهما ) ببدو صلاحهما وأشار لعلة التخريص بجعلها شرطا لتوقف المعلول على علته كتوقف المشروط على شرط بقوله ( واختلفت حاجة أهلهما ) لأكل وبيع وإهداء وتبقية بعض ليعلم بالخرص ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وقدر الواجب يعني إنما خص الشارع هذين النوعين بالخرص دون غيرهما لأن شأنهما اختلاف الحاجة إليهما ، واعترض بأن العلة هنا مجرد الحاجة وإن لم تختلف كما في المدونة فكان الظاهر أن يقول لاحتياج أهلهما وهذا تعليل بالشأن والمظنة فلا يتوقف التخريص على وجودها بالفعل ( نخلة نخلة ) نصب على الحال بتأويله بمفصلا مثل بابا بابا أي أنه يحزر كل نخلة على حدتها لأنه أقرب للصواب في التخريص ما لم تتحد في الجفاف وإلا جاز جمع أكثر من نخلة فيه [ ص: 454 ] ( بإسقاط نقصها ) أي ما تنقصه على تقدير الجفاف لتسقط زكاته ( ولا سقطها ) أي الساقط بالهواء وما يأكله الطير ونحوه فلا يسقط عن المالك تغليبا لحق الفقراء لكن إن حصل بعد التخريص شيء من ذلك اعتبر وينظر للباقي كما سيقول وإن أصابته جائحة اعتبرت .

التالي السابق


( قوله وهو الحزر ) أي حزر ما على النخل من البلح تمرا وأما الخرص بالكسر فهو الشيء المقدر ( قوله مشيرا للعلة ) أي وهي الاحتياج ( قوله وإنما يخرص التمر والعنب إلخ ) أي وإنما يحرر الثمر والعنب على رءوس الأشجار ليعلم هل منه نصاب أم لا إذا حل بيعه واحتاج أهله للتصرف فيه [ ص: 453 ] هذا وكأنه أراد ما يصير تمرا لأنه بعد صيرورته تمرا لا يخرص لأنه يقطع وينتفع به ففي تخريصه حينئذ انتقال من معلوم لمجهول وقد يمنع ضبطه بالمثناة فوق بل يضبط بالمثلثة ويكون من إطلاق العام وإرادة الخاص وهو تمر النخل واعترض الحصر في كلام المصنف بالشعير الأخضر إذا أفرك وأكل أو بيع زمن المسغبة وبالفول الأخضر والحمص الأخضر فإن كلا منهما يخرص إذا أكل أو بيع في زمن المسغبة أو غيره بناء على المشهور الذي مشى عليه المصنف من أن الوجوب بالإفراك .

وأجيب بأن الحصر منصب على أول شروطه قال طفى وهذا الاعتراض لا ورود له أصلا لأن الثابت في هذه تحري مقدار ما أكل أو بيع وليس هذا هو التخريص لأن التخريص حرز الشيء على أصوله . والحاصل أن الذي تقدم في الفول ونحوه أنه إذا أكل أو بيع أخضر فإنه يحرز ما أكل أو بيع منه وهذا غير التخريص الذي كلامنا فيه هنا إذ فرق بين إحصاء ما أكل بالتحري أي بالحزر والتخمين وبين حزر الشيء باقيا على أصوله ا هـ عدوي .

( قوله سواء كان شأنهما الجفاف أم لا ) هذا التعميم صرح به في الجواهر وقال بعض الشراح أراد المصنف الثمر الذي لو بقي يتتمر بالفعل والعنب الذي يتزبب بالفعل أن لو بقي فخرج بلح مصر وعنبها فإنه لا بد من تخريصهما ولو لم يكن حاجة من أكل ونحوه لتوقف زكاتهما على تخريصهما من حل بيعهما ا هـ ومراده بقوله فخرج إلخ أن ما ذكر خارج عن التقييد بحاجة الأهل للتصرف بدليل قوله فإنه لا بد إلخ لا رد هذا طفى بأنه غير صحيح بل كلام المصنف شامل لما يتتمر ويتزبب ولما لا يتتمر ولا يتزبب وقوله لا بد من تخريصهما غير صحيح أيضا لأن الذي لا يتتمر ولا يتزبب إذا لم يحتج أهلهما للأكل مثلا يستغنى عن تخريصهما بإحصاء الكيل في الرطب والوزن في العنب بعد الجذ وتقدير جفاف ذلك بعد الإحصاء المذكور فالذي لا بد منه تقدير جفافهما وفرق بين تقدير الجفاف والتخريص فالزيتون ونحوه لا يخرص ويقدر جفافه فعنب مصر ورطبها إن خرصا فعلى رءوس الأشجار وإن لم يخرصا كيلا ثم قدر جفافهما وهذا كله إذا شك فيما لا يتتمر وفيما لا يتزبب هل يبلغ النصاب أم لا أما إذا تحقق بلوغه النصاب فلا يحتاج لتقدير جفاف أصلا لأن المزكى حينئذ ثمنه كما مر ا هـ كلامه

والحاصل أن العنب والتمر مطلقا إن احتاج أهله للتصرف فيه خرص على رءوس الأشجار وإن لم يحتاجوا للتصرف فيه فالذي يتتمر ويتزبب ينتظر جفافه وتخرج زكاته الذي لا يتتمر ولا يتزبب ينتظر جذهما أو يكال البلح ويوزن العنب ثم يقدر جفافهما هذا إذا شك في كونه يبلغ نصابا أم لا ، أما ما تحقق بلوغه النصاب فلا يحتاج لتقدير جفاف أصلا .

( قوله إذا حل بيعهما ببدو صلاحهما ) أي ولا يكفي هنا ما في البيع من بدو صلاح البعض ( قوله ليعلم بالخرص إلخ ) أي إنما يخرص التمر والعنب إذا اختلفت حاجة أهلهما ليعلم إلخ ( قوله دون غيرهما ) أي من الزيتون والفول والحمص والشعير إذا أكل أخضر فهذه وإن كان يجب بالتحري ما أكل منها لكنها لا تخرص قائمة على أصولها ( قوله واعترض إلخ ) قد يجاب بأن المصنف قد أطلق الملزوم وهو الاختلاف وأراد لازمه وهو الوجود لأنه يلزم من الاختلاف الوجود ا هـ عدوي .

( قوله نصب على الحال ) أي من نائب فاعل يخرص أي إنما يخرص التمر والعنب حالة كون كل منهما مفصلا نخلة نخلة ( قوله أي أنه يحزر كل نخلة على حدتها ) أي ولا يجمع الخارص الحائط في الحزر ولا يجزئه أرباعا أو أثلاثا مثلا ويحزر كل ربع أو ثلث على حدته وكذا لا يجمع ما زاد على واحدة كالاثنين والثلاثة مثلا ولو علم ما فيها جملة هذا إذا اختلفت في الجفاف ولو كانت من صنف واحد فإن اتحدت في الجفاف جاز جمعها في الخرص ولو كانت عشرة ولو اختلفت أصنافها ففي مفهوم نخلة تفصيل بين تخريص الحائط كله وجملة من النخل فقول الشارح ما لم تتحد أي النخلات المجموع وقوله وإلا جاز جمع أكثر من نخلة [ ص: 454 ] فيه أي الحزر ( قوله بإسقاط نقصها ) أي مصورا ذلك التخريص بإسقاط نقصها إلخ يعني أن الخارص يسقط باجتهاده ما يعلم عادة أنه إذا جف التمر والزبيب ينقص منه بفعل ذلك في كل نخلة بأن يقول هذه النخلة عليها من البلح والعنب وسق لكنه إذا جف وصار تمرا أو زبيبا نقص ثلثه وصار الباقي ثلثي وسق وهكذا وأما ما يرميه الهواء أو يأكله الطير وما أشبه ذلك فإنه لا يسقط لأجله شيئا تغليبا لحق الفقراء ( قوله وينظر للباقي ) أي فإن بقي ما تجب فيه الزكاة زكاه وإلا فلا .




الخدمات العلمية