الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وفعلهما بست أفضل وجازا أو أحدهما بغرفة )

                                                                                                                            ش : يعني أن المضمضة والاستنشاق بست غرفات أفضل من بقية الصور المذكورة بعد ذلك .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) ظاهر كلام المصنف في التوضيح وابن راشد في شرح ابن الحاجب وابن عبد السلام أن فعلهما بست متفق على أنه الأفضل ، وحكى الباجي في ذلك عن الأصحاب قولين أحدهما ما ذكره المصنف والثاني أن الأفضل أن يأتي بثلاث غرفات في كل غرفة مضمضة واستنشاق .

                                                                                                                            ( قلت ) واختار ابن رشد هذا القول الثاني وجعل ما ذكره المصنف أنه الأفضل من الجائز ، ولم يحك في ذلك خلافا ، قال في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب : الاختيار أن يأخذ غرفة يمضمض بها ويستنشق ، ثم يأخذ أخرى يمضمض بها ويستنشق ، ثم غرفة ثالثة يمضمض بها ويستنشق على ظاهر الحديث ، وإن شاء مضمض ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات ثم استنشق ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات . الأمر في ذلك واسع واتباع ظاهر الحديث أولى انتهى . ونقله ابن عرفة باختصار فقال الباجي في كون الأولى فعلهما من غرفة ثلاثا أو لكل واحدة ثلاث : قولا أصحابنا في فهم قول مالك ابن رشد الأول أولى انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) إذا قلنا الأكمل أن يتمضمض ويستنشق بست غرفات فقال البساطي : ذلك على وجهين : أحدهما : أن يتمضمض بثلاث على الولاء ثم يستنشق كذلك ، والثاني : أن يتمضمض بغرفة ثم يستنشق بغرفة ثم كذلك انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ولم أقف على من ذكر هذا الوجه الثاني فيما إذا أتى بهما بست غرفات بل الذي يظهر من كلامهم هو الوجه الأول . قال في الطراز لما ذكر القول الذي اختاره المصنف ما نصه الوجه الثاني : أن يأتي بالمضمضة ثلاثا نسقا من ثلاث غرفات ثم الاستنثار كذلك انتهى . ويظهر ذلك من كلام ابن رشد السابق وكلام ابن الفاكهاني الآتي في التنبيه الرابع ، وقد يؤخذ جواز ما ذكره البساطي من كلام المصنف في التوضيح فيما إذا جمع المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة فإنه قال : وذلك يحتمل وجهين أحدهما أن يتمضمض بها أولا ثلاثا ثم يستنشق كذلك ، والثاني أن يتمضمض ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم يستنشق ثم كذلك انتهى . وإلى هذه الصورة أشار المصنف بقوله : وجازا بغرفة . قال في العارضة : أخبرني شيخنا محمد بن يوسف القيسي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له أجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة ؟ فقال : نعم انتهى . وقوله : أو إحداهما يشير إلى أنه يجوز أن يمضمض ثلاث مرات بغرفة واحدة ثم يستنشق ثلاثا بغرفة واحدة [ ص: 247 ]

                                                                                                                            ( الثالث ) لم يذكر المصنف الوجه الثاني في كلام الباجي الذي اختاره ابن رشد ولم يشر إليه ولا في الجائزات ويتعين ذكره لاختيار ابن رشد له .

                                                                                                                            ( الرابع ) ذكر ابن الفاكهاني في شرح الرسالة أن اختيار مالك أن يتمضمض ثلاثا من غرفة ثم يستنشق ثلاثا من غرفة . قال : وهو أولى ليكون الاستنشاق كله بعد المضمضة كلها ويسلم من التنكيس انتهى . وهو غريب أعني كونه اختيار مالك .

                                                                                                                            ( الخامس ) بقي من صفات المضمضة والاستنشاق صفة لم أقف على من ذكرها وهو أن يأخذ غرفة فيتمضمض منها مرتين ثم غرفة ثانية فيتمضمض منها الثالثة ثم يستنشق منها المرة الأولى ثم غرفة ثالثة يستنشق منها مرتين والظاهر جوازها .

                                                                                                                            ( السادس ) قال في الطراز : ويستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه وهو متفق عليه ومأثور في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال في الزاهي : وحمل الماء لذلك يعني للمضمضة والاستنشاق باليمنى خاصة .

                                                                                                                            ( السابع ) قال في الزاهي : ومن لم يستطع ذلك يعني المضمضة والاستنشاق من علة تمنعه منه لم يلزمه انتهى .

                                                                                                                            ( الثامن ) قال الفاكهاني في شرح قول الرسالة : يجزيه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق . هذا لا يختص بالمضمضة والاستنشاق أعني الاقتصار على ثلاث فإن مغسولات الوضوء كلها كذلك ، وكان مراده - والله تعالى أعلم - بقوله أحسن أي أحسن من الاثنين لا أحسن من الواحدة ، إذ الاقتصار على الواحدة مكروه وليس بين الكراهة والحسن صيغة أفعل . ولو قال : ويجزيه الاقتصار على الاثنين لكان أبين انتهى . وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة أيضا : ويجزيه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق ويعني بحيث يفعل لكل واحدة واحدة أو لواحدة أكثر من الأخرى واثنتين اثنتين ، وسواء الفعلات وهو المقصود هنا أو الغرفات انتهى . وقال في شرح قول الرسالة ثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثره ثلاثا : تقدمت كراهة مالك لما دونها لا سيما عند القيام من النوم ففي الصحيح { إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه } متفق عليه انتهى . ويشير بقوله تقدمت كراهة مالك لما دونها إلى ما ذكره عن ابن عرفة ، ونصه الاستنشاق جذب الماء بأنفه ونثره بنفسه ويده على أنفه ثلاثا ، وكرهه مالك دونهما . قال الشيخ زروق أي دون الثلاث ودون اليد على الأنف والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( قلت ) الموجود في نسخ ابن عرفة دونها بإفراد الضمير أي دون جعل اليد على الأنف ، وكأنه في نسخة الشيخ زروق بضمير التثنية .

                                                                                                                            ( التاسع ) قال في الزاهي : ومن احتاج إلى أكثر مما قدمناه من العدد فعله ولا حرج انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) بأن يكون في فمه أو أنفه نجاسة أو غيرها ولم يخرج إلا بأكثر من ذلك

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية