الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( واعتبر من المفاهيم مفهوم الشرط فقط )

                                                                                                                            ش : المفاهيم جمع مفهوم و المفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق أي لم يدل عليه بمنطوقه وهو قسمان : مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة ، ( فمفهوم الموافقة ) أن يكون حكم المفهوم موافقا لحكم المنطوق وهو قسمان فحوى الخطاب ولحن الخطاب ( ففحوى الخطاب ) أن يكون المفهوم أولى بالحكم من المنطوق كتحريم ضرب الوالدين الدال عليه نظرا للمعنى قوله تعالى { ولا تقل لهما أف } فهو أولى من تحريم التأفيف المنطوق ; لأن الضرب أشد منه في الإذاية والعقوق ( ولحن الخطاب ) أن يكون المفهوم مساويا لحكم المنطوق كتحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا للمعنى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما فإن الإحراق مساو للأكل في إتلافه على اليتيم ( ومفهوم المخالفة ) أن يكون حكم المفهوم مخالفا لحكم المنطوق وهو عشرة أنواع كما قاله القرافي : مفهوم الصفة نحو { في الغنم السائمة الزكاة } ومفهوم العلة نحو { أعط السائل للحاجة } ومفهوم الشرط نحو من تطهر صحت صلاته ومفهوم الاستثناء نحو قام القوم إلا زيدا ومفهوم الغاية نحو { أتموا الصيام إلى الليل } ومفهوم الحصر نحو { إنما إلهكم الله } ومفهوم الزمان نحو سافرت يوم الجمعة ومفهوم المكان نحو جلست أمام زيد ومفهوم العدد نحو { فاجلدوهم ثمانين جلدة } ومفهوم اللقب وهو تعليق الحكم على مجرد أسماء الذوات نحو { في الغنم الزكاة } وهي حجة عند مالك وجماعة من العلماء إلا مفهوم اللقب فقال به الدقاق وابن خويز منداد وبعض الحنابلة وجمعها ابن غازي رحمه الله في بيت فقال

                                                                                                                            صف واشترط علل ولقب ثنيا وعد ظرفين وحصرا أغيا

                                                                                                                            وقوله : ثنيا ، يعني به الاستثناء ، وقوله : أغيا ، أي غاية قال : وإنما خص مفهوم الشرط ; لأنه أقواها ، إذ يقول به بعض من لا يقول بغيره إلا الغاية فإنه يقول به بعض من لا يقول بمفهوم الشرط إلا أنه قليل لا يتأتى معه اختصار فلذلك تركه انتهى .

                                                                                                                            بل جعل بعضهم الغاية من المنطوق وفي رتبة الغاية مفهوم الحصر وقيل فيه : إنه منطوق ، ثم قال : وأما مفهوم الموافقة فمتفق عليه وهو معتبر عنده كقوله في باب الحجر : وللولي رد تصرف مميز إذ غير المميز أحرى فعلى أنه من باب النص أو القياس الجلي فلا إشكال وإن قلنا : إنه من المفهومات فهو أحرى من مفهوم الشرط فكأنه اعتبره في نفس ما نحن بصدده ، انتهى . يعني فكأنه يقول : إذا اعتبرت مفهوم الشرط فأحرى مفهوم الموافقة وعلى قياس ما قاله ابن غازي في مفهوم الموافقة يقال في مفهوم الغاية والحصر : إنهما معتبران ; لأنهما أعلى من مفهوم الشرط وكل من قال بالشرط قال بهما والخلاف فيهما أضعف من الخلاف في غيرهما فكأنه قال اعتبر مفهوم الشرط [ ص: 38 ] وما هو أعلى منه ، ومن تتبع كلام المصنف ظهر له أنه يعتبر هذا من المفهومين لزوما فمفهوم الغاية كقوله : والمبتوتة حتى يولج بالغ ، وكقوله في الحجر : المجنون محجور للإفاقة ، وكقوله : إلى حفظ مال ذي الأب ، ومفهوم الحصر كقوله : إنما يجب القسم للزوجات في المبيت ; لأن مراده حصر القسم في الزوجات ، وكقوله في باب الحجر : وإنما يحكم في الرشد وضده وكقوله فيه القاة وإنما يباع عقاره لحاجة ثم قال : ومن البين لا بد أن يستثنى مما ذكره مفهوم الوصف الكائن في التعريفات فإنها فصول أو خواص يؤتى بها للإدخال والإخراج وفي بعض الحواشي وأظنها مما قيد عن الشيخ محمد بن الفتوح يعتبر مفهوم الشرط لزوما ويعتبر غيره من المفاهيم جوازا ويظهر ذلك بتأمل كلامه وقبله شيخنا أبو عبد الله القوري انتهى . وما قاله عن ابن الفتوح ذكره البساطي ( ثم قلت ) وإنما يحتاج لهذا فيما وصفه بصفة ولم يصرح بحكم ما خلا من تلك الصفة وها هنا وجه إذا تم وسلم كان رقيق الحواشي وهو أن يكون أراد باعتبار مفهوم الشرط دون غيره تنزيله منزلة المنصوص فتنصرف إليه القيود والمفهومات ونحوها انصرافها للمنطوقات الملفوظ بها وإذا حمل على هذا انحل به معضلات كثيرة في كلامه كقوله في الجهاد وفرار إن بلغ المسلمون النصف ولم يبلغوا اثني عشر ألفا وقد تكلمنا على بعضها في محالها انتهى . وقد يصرح المصنف بمفهوم الشرط إما لقيود يذكرها أو لفروع يعطفها أو يشبهها أو غير ذلك مما سيأتي التنبيه على شيء منه إن شاء الله .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية