قال عنه ابن خلدون:"مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصرعالم بالعربية يقال له ابن هشام: أنحى من سيبويه".
أتقن ابن هشامِ النحوي علوم العربية، وتخصص بالنحو وكان يملك فيه عبقرية، حتى فاق أقرانه وشيوخه ومعاصريه، ونال منزلة كبيرة لدى العلماء والأدباء، فاشتهر في حياته، وأقبل الناس عليه.
ورغم أن ابن هشام لم يعش عمرا طويلاً؛ إلا أن تآليفه كتب الله لها القبول والانتشار، وأصبحت عمدة عند دارسي اللغة من بعده؛ خاصة ما تعلق منها بعلم النحو.
اسمه ونسبه ونشأته:
هو: أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري، ترعرع بمصر، وشب محبًّا للعلم والعلماء.
ولد في القاهرة في ذي القعدة عام ثمان وسبعمائة من الهجرة(708هـ).
من شيوخه:
1- الشهاب عبد اللطيف بن المرحل.
2- قرأ بالقراءات السبع على شمس الدين محمد بن السراج.
3- أثير الدين محمد بن يوسف أبي حيان الأندلسي سمع منه ديوان زهير بن أبي سلمى المزني، ولم يلازمه.
4- تاج الدين علي بن عبد الله التبريزي.
5- تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني.
6- قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة.
من تلاميذه
وتَخرَّج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، نذكر من طلابه :
1- ابنه مجد الدين محمد بن عبد الله، وقد كان عالمًا فذًّا حتى قيل عنه: إنه أنحى من أبيه.
2- سراج الدين عمر بن الملقن، (ت:804هـ)
3- عبد الخالق بن على بن الحسین بن بن الفرات، (ت:794هـ)
4- جمال الدين محمد بن أحمد النويري (ت786هـ)
5- علي بن أبي بكر البالسي، (ت:767هـ).
6- إبراهیم بن محمد بن عبد الرحیم اللخميّ (ت٧٩٠:هــ).
7- وإبراهیم بن محمد بن عثمان الدجوي (ت٨٣٠:هــ).
مؤلفاته:
قال ابن تغري بردي: "وتصانيفه في غاية الجودة، وذوقه في العربية، ورده كلام من تقدمه من النحاة في الطبقة العليا من الحسن والقوة"، ولابن هشام مصنفات كثيرة، كلها نافع مفيد تلوح منه أمارات التحقيق وطول الباع، نذكر منها:
1-"الإعراب عن قواعد الإعراب" مطبوع.
2- "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك"، كتاب مطبوع مشهور.
3- "شذور الذهب، في معرفة كلام العرب"، مطبوع مشهور.
4- "شرح شذور الذهب" ، مطبوع مشهور.
5- شرح قصيدة "بانت سعاد"، مطبوع متداول.
6- "قطر الندى وبل الصدى"، كتاب مشهور ومتداول.
7- "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" كتاب شهير.
وله كتب أخرى كثيرة موجودة بالمكتبات العالمية مثل: "التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل"، و"الألغاز"، و"رسالة في استعمال المنادي في تسع آيات من القرآن الكريم"، و "الروضة الأدبية، في شواهد علوم العربية"، و"شرح القصيدة اللغزية في المسائل النحوية"، و"المسائل السفرية في النحو"، و"موقد الأذهان، وموقظ الوسنان" وغير ذلك من الكتب النافعة التي ما زال بعضها مخطوطات في المكتبات العالمية فضلا عن الكتب المفقودة.
ثناء العلماء عليه:
قال ابن تغري بردي :"وأتقن العربية حتى صار فارس ميدانها، والمقدم في السبق على أقرانه، وبرع أيضاً في الفقه والأصول، وأما العربية فكان هو المشار إليه فيها في زمانه، والمعول على كلامه، وله فيها التصانيف المفيدة الجيدة"
وقال عنه قاضي القضاة الإمام ابن حجر: " تفرّد ابن هشام بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقق البالغ، والاطلاع المفرط .. مع التواضع، والبرّ، والشفقة، ودماثة الخلق، ورقة القلب".
وقال عنه بن خلدون في المقدمة: "من أهل صناعة العربية من أهل مصر، يعرف بابن هشام؛ ظهر من كلامه فيها أنه استولى على غاية من ملكة تلك الصناعة لم تحصل إلا لسيبويه، وابن جني، وأهل طبقتهما؛ لعظم ملكته وما أحاط به من أصول ذلك الفن وتفاريعه وحسن تصرفه فيه"
قال عنه بعض المؤرخين : "تَصدَّر الشيخ جمال الدين للتدريس ونفع الطالبين وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة والاستدراكات العجيبة والتحقيق البالغ والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام، وكان ذا مَلكةٍ عجيبةٍ يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد مُسهبًا وموجزًا، وكان -مع كل ذلك- مُتحليًا بالتواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق ورقة القلب، وقد تخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وانتفع به الناس، وتفرد بفنون اللغة وأحاط بدقائقها وحقائقها وصار له من المَلكةِ فيها ما لم يكن لغيره، واشتهر صيته في الأقطار وطارت مصنفاته في غالب الديار، وتفقه للشافعي ثم تحنبل.... ومما يدلنا على مدى فطنته، وقوة حافظته حتى أواخر حياته، أنه حفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر قبل موته بخمس سنين".
مذهبه في النحو
مذهب ابن هشام في النحو يقوم على الاختيار، والانتخاب من المدارس النحوية السابقة؛ فلم يكن مقلداً لمذهب من المذاهب، وإنما كان يعرض آراء الأئمة السابقين، على اختلاف مدارسهم واتجاهاتهم ويوازن بينها، وهو وإن كان يميل للاتجاه البصري كما هو معلوم، وينتصر لمذهبهم كثيراً، فإنه مع ذلك كان يأخذ ما عند الكوفيين من أقوال راجحة.
كان ابن هشام باحثاً حراً وإماماً لغوياً معتبراً يُرجح ويَحتج لمذهبه النحوي، ولقوله اعتبار عند الآخرين.
ونستطيع أن نقول: لقد اعتبر ابن هشام السماع أول أصول النحو العربي وأولاها بالاهتمام، إذ النص أقوى حجة من غیره، فكانت موارده تتمثل في القرآن الكریم وقراءاته، والحدیث النبوي، وكلام العرب نظمه ونثره.
ولذلك لا غرو أن يقول عنه ابن خلدون: "وصل إلینا بالمغرب لهذه العصور دیوان من مصر منسوب إلى جمال الدین بن هشام من علمائها استوفى فیه أحكام الإعراب مجملة ومفصلة، وتكلّم على الحرو ف، والمفردات، والجمل، وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها، وسماه " بالمغني في الإعراب " وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها، وضبطها بأبواب، وفصول، وقواعد انتظم سائرها، فوقفنا منه على علم جم، یشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها".
وفاته
توفي رحمه الله تعالى، بالقاهرة في الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة (761هـ).