الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي غاضبة علي لأني زرت إخواني!

السؤال

السلام عليكم

لدي مشكلة كبيرة، وتكاد تسيطر عليّ في كل أيامي، وقد تركت آثارها على نفسيتي وشخصيتي، بالمختصر أنا الابنة الوحيدة لوالديّ، وأبي كان متزوجاً قبل أمي، لديه 4 أولاد، أمي انفصلت عن أبي منذ أكثر من 13 سنة، وقد حدثت مشاكل كثيرة بينهم، كان يضربها، وكانت هي عصبية الطباع.

بعد الانفصال سكنت مع أمي، ورعتني جيداً دون أن يتعرف عليّ أبي؛ تقصيراً منه، وبسبب عدم تواصلي معه، ومع من يكون من طرفه حتى إخوتي، لأن أمي لا تحبهم جميعهم؛ أصبحت أمي شديدة التعلق بي، أمي كانت عصبية، وأصبحت هذه العصبية تزيد مع الوقت، وتزداد تسلطاً، فكانت على خلاف مع أغلب محيطها، من إخوتها وجيرانها وطبعاً أنا.

حين جاءني عريس، اشترطت عليه أن أسكن قريبة جداً منها، مع أنه من منطقة بعيدة، إذ يبعد 50 كلم عن منزلنا الحالي، وعمله يبعد 30 كلم، لكنه وافق لأنه أحبني، من فترة الخطوبة والمشاكل تتراكم بين أمي وزوجي، فهي لم تتقبل أنه أخذني منها، أنا أحب زوجي كثيراً، وهو طيب وحنون جداً حتى مع أمي، لكنها لا تحبه، وأنا للأسف أتأثر بها كثيراً، فأنا أشعر بالذنب مثلاً من أن أكون جيدة جداً معه إذا كانت أمي لا تكلمه، مع أنه تحمّل منها الكثير، وأنا أشهد له بذلك.

أخيراً كانت الضربة القاضية حين أخبرني زوجي أنه يجب أن أكلم أبي، وإن كان في العيد ورمضان فقط، إذ يجب أن أبره، فكرهته أكثر، وتواصل معي أخي الكبير فزرته من مبدأ صلة الرحم، لكن أمي غضبت عليّ غضباً شديداً، إذ أني وصلت أعداءها كما تقول، ورفضت أن أزورها أو أتواصل معها إلى الأبد، إذ أنها تشعر بالخيانة مني، مع هذا أزورها كل يوم، وأحياناً تفتح لي الباب، وتعاملنا معاملة سيئة جداً.

هذا بالرغم من خلافي الدائم مع زوجي، بسبب سكنه البعيد جداً عن عمله، وهو دائم الشكوى يريد أن يسكن في منطقته القريبة نسبياً من عمله، وطبعاً أنا أرفض خوفاً من ردة فعل أمي.

انصحوني أرجوكم، هل أعتبر عاقة لأمي؟ ماذا أفعل؟ إنها لا ترضى أبداً مع أني حاولت بشتى الطرق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ rayane حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونهنئك على النجاح رغم هذه الصعوبات، ونسأل الله أن يعينك على رضا رب الأرض والسماوات، ونحب أن نؤكد لك أن طاعة الزوج مقدمة، وأنك والزوج ينبغي أن تحاولوا إرضاء الوالدة، والإحسان إليها، والوصول إليها وإن ردتكم من الباب، فإن الأجر والثواب ثابت عند الله تبارك وتعالى.

قد أحسن الزوج أيضًا في دعوتك للتواصل مع الوالد والإخوان؛ فإن هذه صلة رحم، والشريعة تأمرك أن تُحسني إلى الوالدة وتقدميها في البر والإحسان، لكن الشريعة أيضًا تأمرك بوصل الوالد، والاحتفاء به والاهتمام والسؤال عنه، ورغم تقصير الوالد الذي سيحاسب عليه بين يدي الله، إلا أنه يعتبر أباً.

ليس هناك داع لكراهية الزوج، لأنه طلب منك هذا الأمر، الذي هو طاعة لله تبارك وتعالى، وإذا كان إخوانك والوالد يريدون أن يعوضوا عن تقصيرهم، ويتواصلوا معك من جديد، فليس هناك في الشرع ما يدعوك إلى رفض هذا، بل الشرع دعوة إلى محاولة إصلاح ذات البين، وليس من الضروري أن تجرحي مشاعر الوالدة فتعلني تواصلك معه، ولكن ينبغي أن تحرصي على التواصل معه، وأكرر الوالدة تستحق براً مضاعفاً كما هي توجيهات الشريعة: (أمك، ثم أمك، ثم أمك) ثلاث مرات، ثم بعد ذلك يأتي الأب (ثم أبوك): ثم يأتي بعد ذلك (أدناك أدناك).

الشريعة ترتب مراتب البر، ولكن في كل الأحوال لا تريد للبر أن يكون مجزءًا، ولا تريد الإحسان أن يكون مع الأب دون الأم، أو مع الأم دون الأب، بل الشريعة دعوة للإحسان، والوالد والوالدة مهما قصروا، فإننا نُجبر على الصبر عليهم، والإحسان إليهم، وحسن التواصل معهم، لأن هذا دين، وهذا مما نُسأل عنه بين يدي الله تبارك وتعالى.

إذًا ينبغي أن تتفهمي دعوة الزوج لك بالوصال معهم، وتتفهمي ظروف الوالدة، وتعبها وسهرها من أجلك، وهذا أمر تُشكر عليه، ونحن نريد أن تسعي في رضاها، لكن إذا أمرت بشيء فيه معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن مع ذلك قال العظيم: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} يعني في أمر الوالدين قال الله: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} حتى لو دعانا الوالد أو الوالدة إلى الكفر بالله، فنحن لا نطيع، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن بعد ذلك لم يقل: نقطعهم، أو نهجرهم، أو نشتمهم، وإنما بالعكس، قال: (وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليَّ).

أنت مطالبة بالإحسان إلى الوالدة والاحتفاء بها، والاهتمام بصحتها، والسؤال عنها، وتشجيع زوجك أيضًا على الصبر عليها، والاحتمال منها، لكن في النهاية طاعة الزوج مقدمة، ونوصيك بالاحتفاء بهذا الزوج العاقل وإكرامه، وعليكم أن تفعلوا ما يصلح لكم مما يُرضي الله تبارك وتعالى، وكوني مرنة، وأرجو أن تجدي من الخالات والعمات والعاقلات من يُكلم الوالدة في هذه القضية، وأنتم جميعًا مطالبون بالصبر على الوالدة، والإحسان إليها والمبالغة في برها، وإكرامها والسؤال عنها، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً