الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من فقدان الثقة والرهاب وتراجع تحصيلي الدراسي، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود أن أتقدم لحضراتكم بالتقدير والشكر الجزيل على ما تقدمونه للناس من مساعدة وعلاج وأجوبة لاستشاراتهم، أسأل الله أن يسدد به خطاكم ويجعله في ميزان حسناتكم.

منذ فترة عرفت هذا الموقع الأكثر من رائع عن طريق المصادفة من خلال بحثي في قوقل عن بعض المواضيع التي تشغلني، فكنت كلما بحثت وجدت إجابات مقنعة ورائعة جدا في هذا الموقع، فأصبحت أرتاده بين الحين والآخر لمطالعة بعض المواضيع وقراءة بعض الاستشارات التي تجيبون عليها، فأردت أن أرسل استشارة على أمل أن أجد جوابا شافيا كحال الكثيرين اللذين وجدو ضالتهم في موقعكم الكريم.

أنا فتاة عمري 19 عاما، كنت متفوقة جدا في الدراسة، ودائما أكون الأولى على دفعتي، ولكني لم أكن اجتماعية ولا أحب الأماكن العامة كالأسواق أو المستشفيات، رغم أني أحب التسوق وشراء الأغراض، ورغم ذلك لم تكن لدي مشاكل والحمد لله، لكن مشكلتي ظهرت عندما دخلت إلى كلية الطب البشري السنة الماضية، حيث إنها كانت مختلطة، فاكتشفت أن لدي خجلًا شديدًا من الجنس الآخر؛ لأنني في الاعدادي والثانوي درست في مدرسة للبنات فقط.

أما في البيت فلم أكن أرى أولادا إلا إخوتي وأقاربي، ولكن عندما بدأنا نكبر قليلا في سن 12 تقريبا، أصبح أقاربي لا يدخلون البيت إلا في الحجرة المخصصة للرجال والتي تكون منفصلة عن باقي البيت، فلم أكتشف وجود المشكلة. هذا في الماضي، ولكن عندما نذهب للسوق أحاول تجنب الأماكن التي فيها عمال، وإن قال لي أحدهم أن هذا الحذاء هو ماركة أو أي شيء للترويج أشعر بخجل وضيق شديد، وأحاول الخروج من المحل في أسرع وقت، وبالرغم من هذا أنا لا أظهر خجلي ولا يلاحظ أحد أني منزعجة، بل أحاول أن أتصرف كما لو أني مرتاحة تماما.

والأن صارت حالتي أسوأ بكثير، فإذا أتيت متأخرة للمحاضرة مثلا فلا أستطيع الدخول، وأنا أعلم أن الجميع سيلتفت ليراني، عندها أفضل البقاء خارجا وتفويت المحاضرة مما يجعلني أشعر بضيق شديد جدا، فأنا أعلم أن ما أفعله ليس صحيحا، ولكني لا أستطيع فعل أي شيء تجاه الأمر، ولكن مشاعر الخجل الشديد هذه لا تنتابني عندما يكون الشباب غرباء ولا أعرفهم ولم أرهم من قبل، رغم أن معرفتي بزملائي أيضا معرفة سطحية جدا، فأنا لا أعرف عنهم سوى وجوههم، وأحيانا أسماءهم ولم يسبق لي أن تحدثت لأحد منهم.

فمثلا عندما أريد الذهاب لطباعة أوراق مهمة أو مستعجلة فأجد زملائي جالسين على المقاعد المجاورة أقوم بتأجيل الذهاب لوقت آخر، وأحيانا أطلب من صديقاتي أن يحضرنها معهن إن ذهبن لطباعة أوراقهن، فأنا لا يمكنني أن أمر من جانبهم ونضراتهم تلاحقني، وأنا لا أستطيع حتى الإلتفات لأرى إن كانوا حقا يرونني أم هذا من نسج خيالي، بينما أتمكن من الذهاب إذا كان الجالسون غرباء -لم يسبق أن رأيتهم أبدا- رغم شعوري ببعض الخجل، ولكني لا أهتم، وعندما أكون في المحاضرة لا أستطيع التركيز أبدا، خاصة إذا رأيت أحدهم نظر إلي ولو بالصدفة، أشعر بضيق شديد جدا وأفقد تركيزي تماما.

وأحيانا أحاول اختلاس النظر لأتأكد أنه لا أحد ينظر إلي وأبقى متجمدة في مقعدي، وأحاول دائما أن أجلس في أبعد مقعد عن مكان جلوسهم، فأجد نفسي في طرف القاعة وبالكاد أستطيع سماع صوت الدكتور.

وما يزيد الأمور تعقيدا هو مشكلة أخرى، وهي مظهري الخارجي، فأنا طويلة ونحيفة، ولكني لا أرتدي سوى العباءة التي اعتدت ارتداءها منذ عمر 13، والتي تجعلني أبدو أطول بكثير مما أنا عليه في الواقع، وأيضا تجعلني أبدو أكبر سنا من بقية زميلاتي، كما أنها تشعرني أني مختلفة عن باقي الطالبات، وأتمنى أحيانا أن أجد شيئا يجعلني خفية فلا يراني أحد.

هذا الأمر يؤلمني كثيرا، ولكني عندما حاولت مصارحة والدتي قالت لي: أنت ذاهبة لتدرسي وليس لتعرضي الملابس! أنا حقا لا أريد سوى أن أكون مثل باقي الطالبات، فكون الشخص مختلفا عن الجميع هو شعور مؤلم حقا لا يفهمه إلا من جربه، والآن أنا أعاني من فقدان الثقة، كما أني أعاني من الرهاب الاجتماعي، فهل السبب هو ما ذكرته لكم أم هناك أسباب أخرى؟ وهل العامل الوراثي يلعب دورا في هذا أم لا؟ وهل الرهاب هو ما أدى لفقدان الثقة أم أن فقدانها هو الذي أدى للرهاب؟

وأتمنى من حضرتكم أن ترشدوني لعلاج الرهاب، لكن بدون استخدام أي أدوية، فلقد سمعت أن هناك ما يعرف بالعلاج السلوكي عن طريق التخيل وغيره، أريد أن تخبروني كيف أقوم بهذه الطرق للتخلص من الرهاب، فلقد ذكرت لكم كل هذا على أمل أن تدرسوا حالتي وتعطوني أفضل علاج للتخلص من كل هذا، فأنا الآن فعلا أفكر في ترك الدراسة، فكل يوم بالنسبة لي هو عذاب وألم كبير، ولكني أستعيذ بالله من الشيطان وأحاول إقناع نفسي أن السنة رغم آلامها ستنتهي، فأنا أعلم أني إن تركتها فسوف أدمر مستقبلي وحياتي، بدل أن أكون طبيبة، وهذا شيء يغضب الله، ولكني حقا أصبحت أشعر بالعجز، وقد تدهور تحصيلي الدراسي بشكل غريب، ولم يعد بإمكاني أن أدرس مثلما كنت سابقا.

أعتذر كثيرا عن الإطالة، وأتمنى أن تفيدوني، فأنتم أملي بعد الله، وبارك الله فيكم وحفظكم، وجعله في ميزان حسناتكم.

دمتم في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما تمرين به قد مرَّ به كثير من الطلبة والطالبات عند دخولهم الجامعة، وفي السنة الأولى خاصَّة، حيث الانتقال من المدرسة الثانوية إلى الجامعة، ومن حيث طريقة الحياة من المدرسة الثانوية إلى نمط الحياة الجامعية، من تحصيل أكاديمي ونشاط اجتماعي، ومن ضمن التغيرات – كما ذكرتِ – الاختلاط والتعامل مع الجنس الآخر، وصدِّقيني: يتفاوت الناس في تفاعلهم، ولكنّهم كُلّهم تقريبًا – ولا أستثني أحدًا – وجدوا صعوبات في السنة الأولى، خاصة في الشهور الأولى.

فلا تستعجلي – ابنتي العزيزة – وإن شاء الله تعالى سوف تتغلبين على كل هذه الأشياء، لا تتركي الدراسة لهذا الأمر البسيط، وحتى لو كان لأمر جلل، لا تتركي الدراسة، وإن شاء الله تعالى هذه الأمور تُصبح ذِكرى تستخفين بها بعد ذلك، أي ذكرى من ذكريات الدراسات الجامعية في مراحلها الأولى، اصبري واثبتي وصابري.

هناك عدة طرق للتخلص من هذه الأشياء، كما ذكرت: أهم شيء عدم التفكير فيها كثيرًا، تجاهليها تمامًا، استمري في المواجهة، حاولي قدر المستطاع أن تعيشي طبيعية، اجلسي في الأماكن التي ترتاحين فيها.

ومن الأشياء التي يمكن فعلها في المنزل من خلال العلاج السلوكي المعرفي: التخيل، أن تتخيلي أنك جالسة وسط طلبة في قاعة المحاضرات، وسوف تتوترين في الأول، استرخي بعد ذلك، وقولي لنفسك: (لم يحصل شي، إنهم يُتابعون المحاضرة، ويتصرفون بشكل طبيعي، لا ينظرون إليَّ) كرري هذا لنفسك عدة مرات، أي تخيلي هذه المواقف التي تحصل لك في الحياة الجامعة في الخيال، واسترخي، وحاولي أن تقولي أنه لم يحصل شيء، هذا شيء طبيعي، وعليك بالاستمرار في المواجهة.

الشيء الآخر: حاولي أن تُنشئي صداقات مع طالبات، وهذا سيسهل لك الأمور -بإذن الله- حتى وإن كنت غير اجتماعية بعض الشيء، فلتكن لك صداقات محدودة مع الطالبات، وهذا سوف يُساعد، خاصة لو اتخذت صديقة عزيزة مثلاً مُقرَّبة، تستطيعين أن تتحدثي معها، وتتكلمي معها، وأن تبثي لها همومك، وتُشاركيها مشاعرك، وهذا مفيد ابنتي العزيزة.

وإن شاء الله أنا واثق أنك سوف تجتازين هذه المرحلة، وعليك بالصبر، وبفعل الأشياء التي ذكرتها لك.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الأردن محمدسليمان

    وفقك الله وسدد خطاك

  • ألمانيا يكفيني اني مسلمة

    بارك الله فيك دكتورنا الفاضل وشكرا على سعة الصدر والنصائح المفيدة

  • أستراليا Muslimah

    سبحان الله كأنك تتحدثين عني انا في السنة الثانية الجامعة وللاسف الثالثة والرابعة، ولحد ما حتى الان بعد عشرين سنة. انصحك بزيارة طبيب نفسي واخذ العلاج حتى يسهل عليكي الدراسة، تبدأي بكسب الثقة بالنفس شيئا فشيئا. وفقك الله وسهل لك واذا اردت التواصل معي فاهلا وسهلا

  • تركيا ابو حمزة

    جزاك الله خيرا دكتوى

  • Soony

    بارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم

  • مصر زهرة زمان

    جيد

  • اليمن صدام لطف الغيلاني

    الف شكر لك دكتوري الفاظل وفقك الله وحماك

  • أمريكا Bonan

    الله يشفك

  • هولندا Naderalnmer

    الحمد لله رب على نعمة الإسلام

  • مجهول سارة

    سبحان الله قصتك ومعانتك تشبهني.. حتى في مسألة الدخول حين تتاخرين. لاتتراجعي واستعيني بالله واصبري على هذه المعاناة حتى تنهي دراستك وتتوظفي فكل شيء فائت. إن تخليت عن الدراسة ستندمين. اما تراجع التحصيل الدراسي فطبيعي امام هذه المعاناة النفسية.. شعرت بكل حرف كتبتيه كيف لا وانا مثلك.استعيني بالله تعالى وركزي على دراستك مهما حدث. حاولي ان لاتضيعي وقتك في التفكير في الاخرين لكي لاتسقطي مثلي في اكتئاب شديد لسنوات كان سببه هذا الخجل والرهاب وعدم الثقة بالنفس. اسأل الله تعالى أن يسعدك وييسر امورك أينما كنت وتذكري دائما أن اختلافك عن الاخرين هو شيء جميل يميزك مهما بدا لك سيئا. فما أجمل الفتاة بلباسها الطويل وحشمتهما

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً