الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يأجرني الله على الصبر على الحب وعدم التمادي فيه؟

السؤال

السلام عليكم
هل الله -سبحانه وتعالى- يجزي الصابر على البلاء في الدنيا أم فقط في الآخرة؟

وهل إذا وقعت في حب أو إعجاب بشخص، وأنا لا ذنب لي بذلك، وصبرت ولم أخبره، هل يجزيني الله بمثل ما صبرت؟ رغم ألم الكتمان والصبر والألم المصاحب القوي والصعب، وهل حب المراهقة والحب في عمر 20 كذلك يجزي الله الصبر عليه إذا كان فعلاً ابتلاءً لاختبار الله قدرتنا؟

الحمد لله، اختبرني الله مرتين، وكنت صابرة، مع أنني عشت ألماً صعباً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلمي -بارك الله فيك- أن الشريعة جاءت بالنهي عن أبواب الشر والإثم كلها، وحرصت على سد كل ذريعة تؤدي إلى فساد القلوب والعقول، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات.

ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر: أسر القلب وعبوديته لمحبوبه، فالحب باب ذل ومسكنة ونصَب، وكفى بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض.

فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها، فإن قصَّرَ في ذلك، وسلك سبل التعشق، بمداومة النظر المحرم، وسماع المحرم، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك، فأصابه الحب أو العشق، فهو آثم معاقب على فعله في الدنيا والآخرة ما لم يتب توبة نصوحاً منه.

وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد أو أن يقف عند حد لا يتعداه، حتى إذا استحكم به الداء، لم يفلح معه طبيب ولا دواء.

فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات، وأغلق سمعَه عن سماعها، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض، بسبب نظرة عابرة، أو معاملة كانت في الأصل جائزة، فتعلق قلبه بالجنس الآخر، فليس عليه إثم في ذلك -إن شاء الله- لقوله تعالى :( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا ).

يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10): " فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى، ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين، فقد يجد عندهم شيئاً من العلاج.

ومن ابتلي بشيء من ذلك، وهو صابر محتسب يعف ويكتم، فإن الله -سبحانه وتعالى- يكتب له الأجر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (10/133): " فأما إذا ابتُلي بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظراً وقولاً وعملاً، وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ) انتهى، وأجر الله للعبد وثوابه يشمل أجر الدنيا والآخرة، فهو الكريم العظيم سبحانه.

وفقك الله لما يحب ويرضى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً