الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتليت بالعادة السيئة فأصبحت أعاني من سرعة ضربات القلب، كيف الخلاص؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا محمد إسماعيل، عمري 14 عاما، وسأصبح بعمر 15 عاما بعد شهر وتسعة أيام، بالصف العاشر.

أنا شاب أؤمن بالله تعالى وأخاف منه كثيرا، وأؤدي الصلوات جميعها على أتم وجه، وأتصدق كثيرا وأقرأ القرآن كل يوم من صلاة الفجر حتى أذهب إلى المدرسة.

أمي وأبي راضيان على ما أفعله، وهذا السبب الذي نجاني من الموت من مرض خطير جدا، ولم يترك أي أثر -بفضل الله تعالى- وكان هذا الكلام السنة الماضية.

ابتليت بفعل العادة السرية ومشاهدة الأفلام الإباحية، وقد حاولت مرارا وتكرارا أن أتركها ولم أستطع، وصرت أقطع في آدائي للصلاة والقرآن الكريم، فعندما أتركها لمدة زمنية يدق قلبي بسرعة كبيرة، وكأنه يريدني أن أفعلها، فلا يهدأ إلا بعد فعلها، وأندم وأحزن كثيرا، وأخاف من يوم القيامة من وقوفي أمام الله.

أسمع مقاطع فيديو لكثير من الشيوخ والعلماء في الإسلام، لكي ازداد علما وتقربا لله تعالى وأحاول تركها، ولأنني في رمضان هذا قد رأيت أمي تضربني بكتابين مكتوب عليهما (كتاب الله حياة)، وقد استيقظت وأنا مرتاح، واتصلت بجدتي لتخبرني معنى هذا الحلم الجميل، فقالت أن الله يحبني، وأنا لا أريد أن أخرب هذا الحب أكثر، وأحاول أن أتذكر كيف أن الله تعالى عافاني من مرضي، ولم يترك لي أي أعراض جانبية فأحزن وأستغفر الله تعالى، ولكن دون جدوى، فأريد منكم أن تجدوا لي حلا، وكيف أتركها وأخفف من ضربات قلبي؟

وشكرا جزيلا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أيها الولد المبارك- وردا على استشارتك أقول:
فليس من شكر الله على نعمه الكثيرة المتنوعة أن تقابل بمعصيته بل بشكره بالقول والعمل، فلقد شفاك من ذلك المرض الخطر ولم يبق له أثر في جسدك فالذي شفاك سبحانه قادر على أن يبتليك بما هو أخطر من ذلك المرض، فيعمي بصرك فلا تبصر شيئا، ويطفئ شهوتك فلا تتلذذ بها، بل يصبح ذكرك كجلد متدلي في جسدك، وحينها تندم ندما شديدا، ولات ساعة مندم.

عليك أن تتذكر عظمة من تعصيه، وأن تتذكر أنه مهما تخفيت عن أعين الناس فإن الله تعالى سيراك ولو كنت في ظلمات ثلاث، ولا تغتر بحلم الله عليك فهو أقدر عليك، ولكنه يمهلك لعلك تعود إلى رشدك وتعظم ربك.

من آثار المعاصي كره الصالحين والابتعاد عن مخالطتهم والتكاسل عن الطاعات، وربما وصل الأمر إلى الترك بالكامل، ومن آثارها الأمراض المزمنة التي لا يحسب لها العاصي، أي حساب ومن ذلك ضعف التحصيل العلمي، وسرحان العقل، والتهاب البروستات، وعدم القدرة على معاشرة الزوجة لو تزوجت، فتحصل فضيحة ما بعدها فضيحة، وقد يداوم على فعل العادة والنظر في تلك الأفلام حتى بعد الزواج.

أوصيك أن تقرأ أضرار مشاهدة الأفلام الإباحية، وممارسة العادة السرية فلعل ذلك يردعك.

المعاصي تسبب ضعف الإيمان، وقوة الإيمان تولد في النفس وازعا وحاجزا يمنع صاحبه من الوقوع في المعصية، فأوصيك بتقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح.

صادق الصالحين وابتعد عن الفاسدين؛ فإن الصديق الفاسد يؤثر سلبا في صديقه، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

أنت الذي جررت نفسك لهاتين المعصيتين ولم يجبرك الله تعالى على شيء منها، وكما أنك أوقعت نفسك في هذه المعاصي فأنت قادر بإذن الله على تركها إن كان عندك الهمة القوية للتوبة، فتب توبة نصوحة، ومن شروطها ترك المعاصي والندم على ما فعلت، والعزم على عدم العودة مرة أخرى إليها، وإن ضعفت نفسك فعدت فكرر التوبة، ولا تقنط من رحمة الله، فبالمجاهدة تصل إلى مبتغاك كما قال ربنا سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

عليك بالصوم فإنه دواء للشهوة القوية كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَن استطاعَ مِنكُمُ الباءةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

كلما أتت الخواطر التي تدعوك للنظر المحرم أو ممارسة العادة السرية فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وتذكر عظمة الله وقم من ذلك المكان ومارس أي عمل يشغلك عن هذه الخواطر فإن فعلت هذا انصرفت عنك تلك الخواطر.

حافظ على أذكار اليوم والليلة ففي ذلك طمأنينة لقلبك ووقاية لك من الشيطان الرجيم ومن شر كل ذي شر.

حفظ على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع المسلمين فإن من ثمار الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).

استمر في الاستماع للمواعظ فإن فيها تقوية للإيمان وتذكيرا بالله تعالى وعليك أن تنتقي منها المؤثر الذي يورث الخشوع والخوف من الله تعالى.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه وخاصة التلاوات المؤثرة كتلاوة المنشاوي مثلا فإنها مؤثرة جدا.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة وسل ربك أن يمن عليك بالاستقامة، وأن يصرف قلبك عن جميع المعاصي، وأكثر من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بالتوبة، وأن يرزقنا جميعا الاستقامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً