الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذنب عظيم لم أستطع أن أتخلص منه حتى استحييت من ربي.. أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا أذنب ذنباً عظيماً، وقد عاهدت الله كثيراً أن لا أعود إلى هذا الذنب، وأنه ذنب، والله أخجل أن أذكره، وأخجل أن أطلب المغفرة من الله بعد كل مرة، لأني ما إن يمضي وقت قصير إلا وأعود، ولكن ما يربكني أنه قد منَّ الله عليّ منذ ستة شهور بالالتزام.

لازمت الصلاة، وحفظت القرآن، وحفظت آيات كثيرة بوقت قصير، وكنت أستمتع جداً بقراءة القرآن وحفظه، وما إن شعرت بأني قد انتهيت من تلك الفترة إلا وعدت لهذا الذنب اليوم، فلا أدري هل اغتررت بنفسي، فعاقبني الله أم أني منافق أقرأ القرآن ولا أعمل به؟

لا أدري، فلقد حلفت خمس مرات أن لا أعود لهذا الذنب، وعدت، فهل عدم دفعي للكفارة له علاقة بعودتي؟

أرجوكم: وجهوني، فأنا ضعيف أمام الشيطان، فقد اختبرني الله بعد كل هذه الفترة، وفشلت في أول اختبار، والله إني أرجو لو أني متّ قبل أن أعود لهذا الذنب!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يمنَّ عليك بتوبة نصوح، وأن يعينك على طاعته، وينصرك على نفسك، وعلى هواك والشيطان.

أولًا: نهنئك -ولدنا الحبيب- بما منَّ الله تعالى به عليك، وتفضل به عليك من الندم وتأنيب الضمير على فعل المعصية، وإقلاعك عنها للفترة الماضية، وتيسير الله تعالى لك بعض الطاعات، ومنها حفظ آيات من القرآن الكريم؛ فهذه كلها نعم جليلة من الله تعالى بها عليك، وينبغي أن تتخذ منها باعثًا على محبة الله تعالى، فإذا رزقت محبة الله، فإن طاعته ستسهل عليك.

ينبغي أن تتذكر فضل الله تعالى عليك ونِعَمَه، أول هذه النعم هي هذه الهداية التي يهديك بها إلى أن تعرف الحق من غيره، وأن يوقظ قلبك لتنتبه وتتألم لما تفعله من الذنب والمعصية؛ فكم من قلوب قد ماتت فلا تشعر بألم الذنوب والمعاصي.

ثانيًا: هذه الآلاء والنعم هي التوفيق لبعض الطاعات، أما نِعَمُه سبحانه وتعالى الكثيرة عليك في بدنك، وفي مالك، وفيما حولك، فإنها نعم لا تُعد ولا تُحصى.

تفكُّرُك في نِعَم الله تعالى عليك، وفي المقابل ستره عليك مدة بقائك على هذه المعصية وفعلك لها، فإنه يسترك وهو يراك ويمهلك، فلا يعاجلك بالعقوبة، وإنما يترك لك فرصة لتصلح ما أفسدت وتتغيّر نحو الأفضل، فهذه نعمة لا تقوم أمامها أي طاعة تفعلها لله تعالى، فهي نعمة جليلة عظيمة.

استذكر هذه المعاني كلها، فإنها ستغرس في قلبك محبة الله تعالى والحياء منه، وسيكون ذلك باعثًا لك نحو الطاعات، والشعور بالحياة عند التقصير أو الوقوع في المعصية.

عودة الإنسان إلى الذنب بعد أن يتوب منه أمر قد يقع لأناس كثيرين، والله سبحانه وتعالى يعلم ضعف هذا الإنسان، فهو الذي خلقه؛ ولذلك فتح له باب التوبة ودعاه إلى أن يجدد التوبة كلما وقع في الذنب.

قد جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ما يحكي عن ربه عز وجل قال: (أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك).

قال العلماء: معناه أنه ما دام يجدد التوبة الصادقة المستكملة لأركانها في كل مرة، فإن الله تعالى يتوب عليه عند تلك التوبة، ويغفر له ذنبه وهكذا، كلما جدد توبة، محا الله تعالى بتوبته ذلك الذنب، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

هذا باب الله تعالى مفتوح، ارجع إليه، ولا تترك هذه التوبة أبدًا؛ ولا تطالب في التوبة بأن تحلف يمينًا ألا تفعل الذنب، فلا تحلف، وإذا حلفت، فإنه يلزمك أن تكفر عن ذلك.

الشعور بالخوف من أنك اغتررت بنفسك، أو الخوف من النفاق، أمر مطلوب، ولكن لا ينبغي المبالغة فيه بحيث تقع في اليأس والقنوط من رحمة الله؛ إنما المطلوب هو ما يدفعك إلى العمل الصالح، وإلى تجويده وإتقانه وإحسانه، الخوف من الله يدفع المؤمن إلى فعل الخير، ويخاف مع ذلك ألا يتقبل الله منه، كما قال الله في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).

ننصحك بأن تبتعد عن مجالس السوء وننصحك أن تكثر من مجالسة الصالحين ومرافقتهم، فإنهم خير من يعينك على طاعة الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيدك إلى الخير، وأكثر من دعاء الله تعالى بالهداية والتسديد والإعانة، وستجد ربًّا رحيمًا يأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً