الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحذير الفتاة من الاستمرار في علاقة مع شاب بدأت بمحادثة على الإنترنت.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

جزاكم الله خيراً على ما تقدمون من مجهود في سبيل إعانة من يحتاج العون، جعل الله جهودكم في موازين حسناتكم.

قصتي هي:

لم أكن أعرف للنت طريقاً، حتى تعلمت حاجات كثيرة منه، لكن الحمد لله لم أستعمل النت في المواقع المحرمة أبداً، ومشكلتي أني تعرفت على أخوات في الله، وصحبة صالحة من النت، رغم بعد المسافة بيننا، إلا أننا كنا كقلب واحد، إلى أن أتى يوم ما أدخلتني صاحبتي على غرفة فيها 3 أخوات وولد، في الأول رفضت، ولكن نفسي غلبتني وكنت أتكلم في الغرفة معهم، وكلما حاولت البعد والفراق أجد نفسي أرجع! رغم أن كلامي لم يكن فيه ما يحرم؛ حتى وقعت في حب ذلك الشاب.

أعجبت بأخلاق ذلك الشاب ودينه، وأشياء كثيرة تختلف كل الاختلاف عن شباب يضيفوني إلى قائمتهم وأرفض الطلب، وطلبني هذا الشاب للزواج، وأبدى صدق نيته، ثم عرفني على أخته وأمه وكلموني بذلك؛ لكن المشكلة هو بعد المسافة، فأنا في بلد أوروبي وهو في بلد عربي، ولا بد أن أنتظر حتى يسافر، وهو أقسم لي مراراً أن نيته صادقة، وأخته أيضاً كانت تقول لي ذلك، وقد وصفت لي أخلاقه كثيراً، وبصراحة كانت هي الأوصاف التي كنت أتمناها، وأسأل الله دائماً أن يرزقني بها في زوج المستقبل.

ومن وقتها ونحن نتكلم في النت على الخاص، مع أني كنت متحفظة جداً إلى أن أتى ذلك اليوم الذي قلت فيه مشاعري، وكلما أفكر في ذلك اليوم! أسأل الله أن يغفر لي؛ فبعد هذا اليوم ابتعدت عنه، وتبت إلى الله، لكن لم ألبث إلا قليلاً حتى وجدت نفسي عدت إلى كلامي معه! لكن -الحمد لله- متحفظة جداً؛ لأني لا أريد أن أندم مرة أخرى؛ علماً أن أهلي لا يعرفون بهذا، غير أختي التي تعرف أني أكلم أخته، وأني كنت أكلمه، لكن لا تعرف أني عدت إلى الكلام معه، وهو إلى الآن عازم على أن يسافر ليطلبني من أهلي، ونعود للبلد العربي الإسلامي.

أرجوكم أفيدوني، أنا حائرة، لا أعرف هل أوقف الكلام معه وأنساه، أم أنتظره من غير أن أكلمه، أم أبقى على اتصال به؛ لأنه يحتاجني في مرات لأجل موضوع السفر، وأبحث له هنا في أوروبا؟

أفيدوني يرحمكم الله، وأعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ طالبة عفو الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يرزقك زوجاً صالحاً.

وأما بخصوص ما ورد برسالتك، فإنه ومما لا شك فيه أن النت أصبح من أهم المغريات التي تأخذ الإنسان إلى عالم آخر، غير العالم الذي نعيش فيه، حيث يستطيع الإنسان أن يمارس كل شيء بحرية وبدون قيود، خاصة في مجال العلاقات الإنسانية، حيث يطلق كل طرف لقلمه أو للسانه العنان؛ ليقول كلاماً في غاية الرقة أو الجودة، أو الأخلاق العالية التي قد يأسر بها الطرف الآخر.

وما أسهل هذا حقيقة على أي إنسان، حتى سمعنا ممن يدخل باسم فتاة وهو رجل ليوقع الناس في حبه وتدور المعارك الطاحنة حوله، والعكس كذلك، وما أسهل أن يحرص الإنسان على أن يقدم نفسه للطرف الآخر على الهيئة التي يحبها، وهذا وحده غير كاف في تأسيس أسرة مسلمة مستقرة حيث عناصر التعرف الحقيقي مفقودة، فمن يشهد لهذا الشاب مثلاً بأنه من أهل المساجد؟ ومن يشهد له بأنه من أسرة صالحة؟ ومن أدرانا التي تحدثت معك إنما هي أمه أو أخته؟ ثم ما هو شكله وصورته وهيئته؟ وكيف أحبك وهو لم يرك -كما في السنة- ويريدك زوجة له؟

أمور كثيرة مفقودة في هذا التعارف، ولا تكفي بحال لتأسيس أسرة مستقرة بالمعنى الصحيح، ثم وكما لا يخفى عليك أن كثيراً من الشباب يتمنى لو تفقأ له عين، أو يفقد عضواً من أعضائه ليذهب إلى الغرب ولو زائراً، وذلك لما يسمعه عن الغرب وما فيه من قيم وحضارة، وفرص عيش كريم، واعتبرك فرصة لتحقيق ذلك كله، فأظهر وأبدى ذلك ببراعة واقتدار؛ حتى يشعرك بأنه قادم فعلاً إليك لإتمام مراسم الزواج.

فهل هو يعمل في بلده أم لا؟ وما هي وظيفته؟ وما هي مؤهلاته؟ وما مستواهم الاجتماعي؟ وما هي سمعتهم داخل وطنهم الأم؟ وهل هم متكافئون معكم في النسب والمكانة والديانة والأخلاق؟ أمور كثيرة تظل حائرة تحتاج إلى أجوبة صادقة يصعب الوصول إليها من وراء الشاشة، وعبر النت وحده؛ ولذلك يرى كثير من علماء النفس والاجتماع أن فرص نجاح مثل هذا الزواج ضئيلة جداً، بل ويذهب بعض العلماء إلى عدم جوازه لما فيه من الغرر، وإمكانية الغش والتدليس، وصعوبة الوصول إلى الحقيقة.

قد يكون هذا الشاب صادقاً وفيه كل المطلوب شرعاً، ولكن من أدرانا أنه يصلح لك، أو أنه يريدك فعلاً لذاتك وليس راغباً في شيء آخر، حتى وإن أقسم على ذلك، إن العلاقات عبر النت أشبه بالسراب الذي يفتن ويخدع به الإنسان، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وعندها يكون الندم في وقت لا ينفع فيه الندم، لذا أرى أن تفكري ألف مرة ومرة في هذه العلاقة، خاصة وأنها من وراء الأهل الذين قد لا يوافقون على زواجك بهذه الطريقة، فتوقفي عن الاتصال به، وتوبي إلى الله واستغفريه، ولا تشغلي بالك بهذا الموضوع الآن.

واعلمي أنه إذا كان من نصيبك، وأن الله قد قدره لك؛ فلا بد أن تكوني له، وإذا لم يمكن فمهما حاولتما لا يمكن لكما، أو لغيركما تغيير قضاء الله وإرادته؛ فاتركي عنك هذا الأمر الذي استغلك الشيطان فيه، ولعب بعواطفك، وأقبلي على دراستك، وطلبك للعلم الشرعي، وقراءة القرآن، ودعي الأمر لله، يقدر فيه ما يشاء، وقدره كله خير.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسعادة في الدارين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً