الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقوم بتوظيف تخصصي الإعلامي لخدمة الإسلام؟

السؤال

أنا فتاة أكملت الدراسة، وقد تخرجت بإجازة في الإعلام، تخصص تحليل بيانات، و تصميم مواقع ويب، ولكن أحسست أن طلبي للعلم كان دنيوياً بحتاً، وأن طلبي لهذا العلم كان للدنيا، وليس له أجر في الآخرة، وقد أخذ مني وقتاً كثيراً، وألهاني.

بعد التخرج قررت أن أجلس سنة في المنزل أبحث أكثر في ديني، فأتدبر القرآن، وأتقرب من ربي أكثر وأقرأ كتباً دينية.

بدأت بالفعل في التطبيق، وقد أتممت كتاب (لأنك الله) وكتاب (فاتتني صلاة) وهي كتب يسيرة، ولكن كان لها أثر في نفسي، جعلني أبكي وأصرخ أحبك يا الله.

كذلك بدأت بالجزء الأخير من القرآن، لاحتوائه سوراً قصيرة، يسهل البحث عنها وفهمها، وتدبرها والبحث في أسباب نزولها عبر الانترنت.

مع هذا فأنا أبلغ من العمر 22 سنة، منها 18 سنة وأنا أدرس، لا أريد أن أكون ممن نسوا الآخرة وأخذوا يسعون للدنيا فقط.

سؤالي: كيف أستطيع استغلال دراستي هذه لكسب الحسنات، فيكون عملاً دنيوياً خالصاً لوجه الله؟

أي: هل يوجد ما يمكنني فعله من خلال ما درسته يساعدني لكسب الحسنات، وأتوج به 18 سنة من الدراسة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيناس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختي الفاضلة- في إسلام ويب، وأسال الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

في البداية رائع منك هذا القصد الحسن المتمثل في الخوف والفزع من نسيان الآخرة، والحرص على الدين، والسعي في تربية النفس وتعلقها بالله تعالى، فصلاح القلب واستقامة السلوك هي أعلى المقاصد في الحياة.

لا شك أن تحقيق التوازن أمر في غاية الأهمية، فعند ما يُغلِّب الإنسان أحد الجوانب في حياته ويتجاهل جوانب أخرى يبدأ الشعور بفقدان التوازن، وينتج عن ذلك الإحساس بعدم الرضا والرغبة في التغيير.

من أهم أسباب عدم التوازن في الحياة: ضعف تحديد الأولويات في مرحلة مبكرة من عمر الإنسان، خصوصاً الشباب، فلا بد أن يكون للإنسان هدف يسعى إليه، ويحيطه بأنواع من الاهتمامات الموصلة إليه، ولا بد لهذا الهدف أن يُحقق للإنسان التوزان بين متطلبات الجسد والروح، والتوازن لا يعني الوسط وإنما يقصد به العدل في إعطاء كل شيء حقه بحسب أهميته وتأثيره، فالإنسان مكون من جسد وروح، ولا بد من العناية بهما معاً، مع تغليب العناية بالروح على الجسد كونها المحرك الأهم لطاقة الإنسان وصلاح قلبه وسلوكه، فتحقيق التوزان هو الحل لهذا الصراع الداخلي في النفس.

من فضل الله تعالى في شريعة الإسلام أن جعل كل عمل مباح يمكن أن نكسب منه الحسنات ونُؤجر عليه إذا حَسُنت النية وخَلُصت لله تعالى، وقد دل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر" رواه مسلم.

الأمة اليوم بحاجة إلى هذا التوازن والتكامل بين العلوم الدنيوية والدينية ليصبح أبناء الإسلام مؤهلين لمواكبة تغيرات الواقع، ومواجهة التحديات المختلفة من مستجدات ونوازل، ومن قوة المؤمن أن يدفع عن نفسه وأمته الحاجة إلى أعداء الله أو الخضوع لهم، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم.

وقوة الإيمان هنا تشمل قوة الاعتقاد بالله تعالى والإيمان به، وتشمل القوة المادية الظاهرة التي تحمي الأمة من تسلط الأعداء عليها، ووقوعها في حاجتهم مما يضعف شوكتها ويجعلها مرتهنة لأعدائها.

أعداء الإسلام يكيدون له ويُسخِّرون كل إمكاناتهم لتشويهه وإضعاف انتشاره مستخدمين لذلك وسائل الإعلام، وتأثيرها القوي على الناس، وترك هذا المجال متاحاً لمن لا يحمل رسالة الإسلام يتسبب في إضعاف رسالة الإصلاح والخير بين الناس، وجعل الآخرين هم من يضعون أفكارهم وينشرون محتواهم كما يشاؤون، وبأي طريقة يريدون.

لذلك مجال الإعلام واحد من أفضل المجالات اليوم، التي يمكن من خلالها خدمة الإسلام والدعوة إلى الله.

الإعلام في أساسه مجرد وسائل، يمكن عبرها تقديم محتوى سلبي أو إيجابي، لذلك يحتاج الإعلام الإسلامي إلى دعاة أصحاب بصيرة وفقه في الدين، لتقديم الرسالة الإسلامية النقية، والدعوة بالحكمة والفهم الصحيح للإسلام، فوجود تكامل بين العلم الشرعي والداعية الإعلامي أمر في غاية الأهمية، خصوصاً في زماننا الذي انتشرت فيه وسائل الإعلام الجديد بأشكال مختلفة، وأصبح تأثيرها كبيراً على كل أفراد المجتمع.

ترك هذا المجال فارغاً سيتيح الفرصة للإعلام السلبي أن يملأه بمحتواه الفاسد، ويقدمه للناس فيفسد الكثير من فِطر الناس وأخلاقهم، لذلك لا بد للدعوة من إعلاميين أصحاب رسالة وفقه في الدين يقدمون الإسلام من خلاله، بشكل مؤثر ومقنع.

مجالات خدمة الإسلام من خلال الإعلام كثيرة، يمكن أن نوضح بعض تلك المجالات بشكل مختصر، فمنها على سبيل المثال:
- كتابة المقالات والمدونات، في بيان الإسلام وتعاليمه وأخلاقه بلغات مختلفة.

- الرد عبر وسائل الإعلام المختلفة على الشبهات من خلال نشر المحتوى الإسلامي وتأثير المنابر الإعلامية.

- المبادرة إلى تقديم محتوى إسلامي جذاب ومؤثر في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

- توجيه وتدريب الكوادر الإعلامية في صناعة المحتوى الإعلامي الإسلامي المنضبط بالشرع.

- إنتاج برامج تلفزيونية أو إذاعية تثقيفية حول الإسلام.

- إنشاء وإدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتوى إسلامي.

- إنشاء مواقع ويب أو مدونات تختص بالتعريف بالإسلام وشرح مفاهيمه بلغات مختلفة.

- إنشاء القنوات الفضائية والإذاعات الدعوية لبيان وتبليغ الإسلام من خلالها.

- العمل كصحفي أو مُعد برامج إعلامية وتسليط الضوء على القضايا الإسلامية، والمساهمة في تعريف الناس بها.

- كشف التضليل في وسائل الإعلام المختلفة وتثقيف الأسرة والمجتمع بمخاطر الانحراف في الرسائل الإعلامية.

- تغيير الصورة النمطية التي يلصقها الإعلام الغربي بالإسلام والمسلمين من خلال إبراز جماليات الإسلام المختلفة، وتقديمها للعالم بشكل مختلف وجذاب، وبلغات العالم.

هذا جانب بسيط لدور الإعلام في الدعوة إلى الله، ولا شك أن المؤمن كالغيث أينما حل نفع، وفي أي مكان يحمل همّ دينه ودعوته وبناء نفسه، فالكمال عزيز ولا يبلغه أحد ولكن يسعى الإنسان إلى أن يسدد ويقارب قدر استطاعته.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً