الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي مطلق وأمي تسعى جاهدة لأن أرفضه!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أحتاج الزواج بشدة، فمنذ 11 سنة تقدم لي الكثير، إما أن يتركوا هم، وإما أني كنت أرفض لأسباب منطقية من وجهة نظري، بعد استخارة واستشارة وتفكير طويل جدًا، وهذا نادر، وإما أن أمي ترى أنهم غير مكافئين لي، وأشعر أنها بلغت حد التعنت في هذا الأمر، فهذا مطلق ومعه طفل ولا يصلح، وهذا سمين، وهذا شقته بعيدة.. وهكذا، لا تتردد أبدًا في إيجاد أي سبب للرفض، لتركز عليه بشدة، وتماطل في ردها على العريس، حتى ينصرف إلى غير رجعة، وترجع هي هذا للقدر!

للأسف ابتليت بالتخيلات السيئة منذ كان عمري 12 سنة، وعلمت في عمر الـ 18 أنها العادة السيئة، ومنذ ذلك الحين أحاول التوبة، أنجح أحيانًا وأفشل أحيانًا، ولكن -للأسف- طوال فترة العنوسة ويأسي من الزواج أقع في هذا الذنب، كل مرة أصلي صلاة التوبة، وأتصدق، وأصوم، وأدعو أن يغفر الله لي.

الآن تقدم لي رجل مطلق، عمره 41 سنة، معه طفل، أجده مناسباً، لكنه مهاجر إلى بلد أجنبي ومعه جنسيته، أبي مريض بجلطة وسلس بول، وأمي أيضًا مسنة، وخدمة أبي شاقة عليها، ولأنني ابنتها الوحيدة مع 3 أشقاء ذكور، فإنها لا تتصور أن أسافر وأتركها لأي سبب! الآن هي تسعى جاهدة أن أرفض هذا الرجل، وأنا لا أستطيع لما لمسته من تمسكه بي، على عكس كل من مر بي، هي تركز تمامًا على عيبه في الهجرة إلى بلد أجنبي، وإمكانية رجوعه إلى طليقته ليضم ابنه معه، وهناك شاب تقدم لي أعزب، ولكني أميل أكثر بكثير إلى المطلق، وأتمناه زوجًا أتعفف به عن الحرام.

هل أنا محقة في تمسكي باختياري، أم أنني لن أوفق إذا تزوجت بعكس رغبة أمي؟ نفسي تمتلئ حسرة على عدم زواجي للآن!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يَرزقك الزوج الصالح، الذي تقرُّ به عينك وتسكن إليه نفسك.

ونحب أولًا أن نبشّرك -ابنتنا الكريمة- بفضل الله تعالى عليك ببرك لوالديك وإصلاح أحوالهما، ومحاولة الإحسان إليهما؛ فإن هذا العمل الذي وُفقت إليه عملٌ جليل، وأجرُك مُدخرٌ مكتوبٌ عند الله تعالى، وهذا البر لا يعني عدم الزواج، فإنه بإمكانك أن تتزوجي، وأن تبقي على الإحسان إلى الوالدين ما استطعت.

وقد وفقك الله تعالى إلى عبادة أخرى وهي عبادة الدعاء، واللجوء إليه سبحانه وتعالى، والله عليمٌ حكيم، لطيفٌ بعباده، ومعنى اللطف أنه يسوق إليهم الخير بطرقٍ خفية لا يعرفونها، ولا يحسُّون بها، فلعلَّ الله سبحانه وتعالى أخّر عنك الزواج لتحصيل عباداتٍ كثيرةٍ تجدينها مدوّنة لك في صحائف أعمالك، ومنها: الشعور بالحاجة إلى الله تعالى والفقر إليه، والإكثار من دعائه، فهذه كلها عبادات جليلة، ربما لو رُزقت الزواج من أوّل عمرك ما كنت فعلتِ شيئًا منها.

فاعلمي أن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وأنه لا يُقدّر لك إلَّا ما فيه الخير، وهذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب المباحة لما نحبُّه ونتمنّاه من المقادير، فإذا تقدّم لك مَن ترينه صالحًا للزواج، فلا ينبغي أن تترددي، بعد استخارة الله تعالى ومشاورة من حولك من العقلاء، في صفاته ومدى صلاحيته، توكّلي على الله، وأحسني ظنّك بالله، أنه سبحانه وتعالى سيتمّم لك الأمور بالجميل.

وإذا كان أهلك يُوافقون على زواجك من هذا الشاب الذي تقدّم لك (الأعزب) فإن نصيحتنا لك أن تقبلي به، وإن كان ميلُك إلى الآخر أكثر، فإن زواجك بهذا الشاب في ظلِّ موافقة أهلك عليه يحقق لك مصالح كثيرة، أوّلُها: مصلحة البر بالوالدين وعدم مخالفتهما، فإن كثيرًا من العلماء يرون وجوب طاعة الوالدين إذا منعا الولد من الزواج بشخصٍ مُعيّن، فستخرجين من هذا الإشكال بالزواج بهذا الشاب، إذا كان أهلك يُوافقون عليه.

ومن جهة أخرى: ستعيشين مع شاب لم يسبق له تجربة الزواج بأخرى، وهذا أدعى إلى أن تكون الحياة الزوجية أكثر استقرارًا.

ثم المصلحة الثالثة وهي: أن تبقي بالقرب من والديك، لإعانتهما والقيام بما يحتاجان إليك في شيءٍ، فهذه كلها أمور ترجح هذا الاختيار، إذا كان ذلك لا يمنع رغبتك في غيره.

أمَّا إذا كنت تتعلّقين بالآخر وتريدين الزواج به، فينبغي لك أن تجتهدي في إقناع أُمّك بقدر الاستطاعة حتى تُطيبي خاطرها، وتسترضيها، سواء بالكلام الجميل والوعود الحسنة، أو باستعمال ما يُؤثّر عليها من كلام الأقارب ونحوهم.

وخير ما نوصيك به أن تتوجهي إلى الله سبحانه وتعالى، وتسأليه أن يُقدّر لك الخير حيث كان، فإنه يعلم وأنت لا تعلمين.

نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يُقدّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً