الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصابني اكتئاب وشدة خوف بعد دعاء والدي عليّ، فماذا أفعل؟

السؤال

ما هي كيفية التعامل مع الضرر النفسي الناتج عن دعاء الوالد على ولده؟ فوالدي دعا علي بالعمى؛ مما جعلني خائفاً طوال الوقت، وأتذكر ذلك دائماً عندما أرى شيئاً جميلاً، وأصبحت خائفاً من الفقر والوحدة والاحتياج للناس!

صرت أفكر في هذا الأمر، وعندما أدخل الغرفة لأنام أتذكر ذلك الدعاء من والدي وأخاف، أنا أصبحت مكتئباً وخائفاً، ولا أستطيع التفكير في المستقبل كما كنت أفعل؛ لأني لم أعد أشعر أن المستقبل أفضل، كما أشعر أنه يخفي لي إجابة دعوة والدي!

لقد كرهت الحياة، وأشعر كما لو أن والدي طعنني طعنة أضرت بجميع نواحي حياتي؛ لدرجة أني خائف من مرور الدقائق والوقت، لأني أشعر وكأن هناك مصيراً مشؤوماً ينتظرني!

فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوءٍ وأذىً ومكروه.

نحب أن نؤكد لك أولًا -أيها الحبيب- أن بر الوالدين من أعظم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة) أي أفضل أبواب الجنة، فينبغي لك أن تجتهد ببِرِّ والديك بقدر استطاعتك، وتُحسن إليهما، وتلتمس رضاهما ودعاءهما؛ فذلك من أسباب سعادتك، وإذا وقعت في تقصيرٍ أو استزلّك الشيطان فعققتهما؛ فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة، والتوبة تمحو ما قبلها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وأخبر الله تعالى في كتابه أنه يُبدّل سيئات التائب حسنات، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته.

لا يزال الباب أمامك مفتوحًا لتتدارك ما قصّرت فيه، وتُصلح ما أفسدته، فتستجلب رضا والديك بقدر استطاعتك، والله تعالى يعلم ما في نيتك، فإنه يقول: (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا)، وسييسّر لك الخير ويُعينك عليه.

أمَّا ما ذكرته بشأن دعوة والدك عليك بالعمى؛ فنصيحتنا لك ألَّا تدع للشيطان طريقًا وسبيلًا للتسلُّط عليك، فيُقنّطك من رحمة الله تعالى، ويُكدّر عليك حياتك، ويُعطّلك عن العمل النافع لك في دينك ودنياك، والنفع للآخرين.

حالتك هذه من الحزن والكآبة هي ما يتمنّاه الشيطان، وقد قال الله تعالى في كتابه: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا)، فهو يتمنّى ويرجو أن تعيش دائمًا حزينًا كئيبًا قلقًا؛ لأن ذلك يُعطّل حياتك، وهو حريص على ألَّا تفعل شيئًا ينفعك.

نحب أن نطمئنك إلى أن دعوة الوالد المستجابة إنما يستجيبها الله سبحانه وتعالى، بحكمته ورحمته، وعلمه الخير لهذا الإنسان، فهو سبحانه وتعالى يعلم أن الوالد قد يدعو في ساعة غضب، وهو يكره أن تستجاب له هذه الدعوة، ولذلك أخبرنا في كتابه -سبحانه- بأنه لا يستجيب لنا كل دعاءٍ بالشر نتعجّل إليه، فقال سبحانه في كتابه الكريم في سورة الإسراء: (ويدعُ الإنسان بالشرِّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولًا)، وقال سبحانه في سورة يونس: (ولو يُعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم).

ولقد بيّن العلامة ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره معنى هذه الآيات فقال: "يُخبر الله تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم".

إذًا نحن ننصحك بأن تُحسن الظنّ بالله تعالى، وأن تعلم أن الله تعالى رحيم، وأنه حكيم، وأنه حكمٌ عدل، وأنه لا يستجيب من الدعاء ما كان فيه اعتداء، كما أخبر في كتابه: (ادعوا ربكم تضرُّعًا وخفية إنه لا يُحب المعتدين)، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يُستجاب لأحدكم ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم).

الدعاء بالزائد عن القَدْر الذي ينتصر به مَن ظُلم صورة من صور الاعتداء، ولذلك لا يستجيبه الله تعالى.

طمئن نفسك، واجتهد في استرضاء والديك، وأحسن عملك، واعلم أن الله سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً