الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبتني الوساوس وأخشى تناول الأدوية، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه من استشارات.

مشكلتي باختصار: أني أعاني من الوسواس القهري، وخاصة وسواس التحقق من كل شيء في حياتي، وأشعر بالقلق والخوف من حدوث شيء ما.

ذهبت للطبيب ووصف لي أدوية لعلاج الاكتئاب، ولكني خفت من تناولها لعدة أسباب، منها: الخوف من التعود عليها، والخوف من ظهورها في تحليل المخدرات؛ فأنا موظف وبين فترة وأخرى يتم إجراء تحليل المخدرات للموظفين، علمًا أن الطبيب أخبرني بأن لدي وصفة طبية فلا سبب للخوف، ولكن الوسواس تمكن مني، فلم أتناول الدواء.

عند الاختيار بين أمرين أجد صعوبة بالغة في الاختيار، -والحمد الله- أصلي وأقرأ القرآن.

أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

أخي: الوساوس القهرية ذات الطابع الفكري من النوع الذي تشتكي منه، وهو ما نسميه بوساوس التحقق، مع وجود الخوف والقلق التوقعي الافتراضي، هذه موجودة ومعروفة، وطبعًا هي تستجيب للعلاج الدوائي بصورة فاعلة جدًا، وبجانب العلاج الدوائي هنالك بعض التطبيقات السلوكية، التي تقوم على مبادئ معروفة جدًا.

أولًا: أهم مبدأ أن تحقر الوسواس، لا تحاوره، وأن تحاول أن تتجاهله بقدر المستطاع.

ثانيًا: ثاني مبدأ حين تأتيك الفكرة الوسواسية اصرف انتباهك عنها، مثلًا بدل من أن تتحقق من شيء معين، فكر في شيء آخر، شيء جميل، شيء محبب إلى نفسك، أمنية، هدف، أي من هذه الأشياء الجميلة، فكر فيها بعمق، وسوف تجد أن الوسواس قد تمت إزاحته، ولن يكون شاغلًا لك.

والتمرين الثالث نسميه التنفير: ويقصد بالتنفير أن تربط بين شيئين، ينفر أحدهما من الآخر، مثلًا: اجلس في مكان هادئ داخل الغرفة أمام الطاولة، وقم باستجلاب الفكرة أو حتى الفعل الوسواسي، وفي ذات الوقت قم بالضرب على يديك بشدة وقوة حتى تحس بالألم، اربط ما بين الفكرة أو الفعل الوسواسي وظهور الألم، هذا التمرين يجب أن يكرر أقل شيء 15 إلى 20 مرة في الجلسة الواحدة، ويجب أن تكون هنالك جدية في تطبيقه.

ومن المهم جدًا أن يكون هنالك ربط مباشر ما بين الفكرة أو الفعل الوسواسي وإيقاع الألم في نفس اللحظة، هذا من التمارين الجيدة جدًا والمفيدة جدًا، ويمكن أيضًا أن تستعمل الرباط المطاطي الذي تربط به الأوراق المالية، ويمكن أن تضعه على الرسغ، ويكون من النوع القوي، وتستجلب الفكرة الوسواسية أو الفعل الوسواسي، وتقوم بشد هذا الرباط المطاطي بقوة وشدة ثم تطلقه، وقطعًا سوف يسبب لك ألماً، تربط ما بين الألم وما بين الفكر أو الفعل الوسواسي، هذه تمارين مهمة وتمارين بسيطة جدًا.

ويمكن للإنسان أن يتدرب عليها وحده، ومختصرها لك: التمرين الأول: هو تمرين التحقير، والتمرين الثاني: تمرين صرف الانتباه، والتمرين الثالث: هو التمرين التنفير.

الأدوية مهمة كما ذكرت لك -يا أخي الكريم-، ولا تتردد أبدًا في تناولها، ويعرف أن الأدوية المضادة للوساوس هي في الأصل أدوية مضادة للاكتئاب، لأن هذه الأدوية تعمل من خلال منظومة دماغية تتمثل في وجود ما يعرف بالموصلات العصبية، وأهمها مادة السيرتونين، السيرتونين له عدة أقسام وأنواع، فيها ما هو مرتبط بالاكتئاب من ناحية السببية، وفيها ما هو مرتبط بالقلق، وفيها ما يسبب الوسواس القهري، وهنالك جزئيات من السيرتونين مرتبطة بالرهاب والخوف.

لا تتردد في تناولها، هذه أدوية سليمة، فاعلة، وجيدة جدًا، وأنا أؤكد لك أنها لا تظهر أبدًا في فحص المخدرات، لأنها ليست مخدرات، وليست من مجموعة البنزوديازبينات، الأدوية التي تظهر في الفحص هي أدوية مثل الفاليوم، والذي ينتمي إلى مجموعة البنزوديازبينات، وهذا دواء إذا وصفه لك الطبيب ليس هنالك أي إشكال، لكن فيما أعرف أن الأدوية المضادة للوساوس، أي الأدوية في الأصل هي مضادة للمخاوف، هذه لا تظهر أبدًا في الفحص، لا فحص الدم ولا فحص البول.

فتوكل على الله -يا أخي- وابدأ كما قال لك الطبيب بتناول أحد الأدوية المضادة للوساوس، وهي كثيرة جدًا، هنالك البروزاك الذي يعرف باسم الفلوكستين، وهنالك السيبرالكس والذي يسمى استالبرام، وهنالك لسترال والذي يسمى سيرترالين، وهنالك الفافرين والذي يعرف باسم فلوفكسمين، وهنالك دواء قديم يعرف باسم انفرانيل، كلها دوية مفيدة جدًا، وممتازة.

أخي: أيضًا من الأشياء التي يمكنك أن تستعين بها الاستخارة، حين تختلط عليك الأمور أو تجد صعوبة بالغة في الاختيار، تدارس الأمر وحدد خيارين مثلًا أو ثلاثة، وبعد ذلك استخر، والاستخارة مهمة جدًا وضرورية جدًا ومفيدة جدًا، إذا أدركها الإنسان بالفعل وفهمها وطبقها بمفهومها الشرعي، والاستخارة هي أن أطلب ممن بيده الخير أن يختار لي، هي ليست مرتبطة بأي مشاعر كما يعتقد البعض، الإنسان يطلب من الله تعالى أن يختار له، وهذا هو الذي أنصحك به.

وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، واسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً