الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعوري بتقصير عائلتي في حقي يدفعني لارتكاب المعصية.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 21 سنة، نشأت منذ صغري بعيدًا عن والديّ اللذين تخليا عني، وأنا في عمر ثلاث سنوات، عرفت مع مرور الوقت أن عائلتي تعاني من فساد كبير، ولدي أخوات، لكننا لم ننشأ سويًا، وتربيت في كنف جمعية خيرية، ثم التحقت بمدرسة ثانوية عسكرية، وبعد ذلك قبلت في واحدة من أفضل الجامعات في بلدي -الحمد لله-.

كثيرًا ما أعاني من أفكار سلبية تتعلق بالابتلاء والمشاكل العائلية التي مررت بها؛ حيث تؤثر هذه الأفكار على صحتي النفسية والعقلية، خاصة عند التفكير في الماضي المؤلم أو المستقبل المجهول، يزيدني ذلك خوفًا من الوحدة طيلة حياتي، ومن عدم الزواج بامرأة صالحة تعوضني عن ما فاتني، أحيانًا تأخذني هذه الأفكار ساعات قبل النوم، أو تسبب لي السهو أثناء الدروس والاضطراب النفسي؛ مما يجعلني أشعر أني أحمل عبئًا ثقيلًا يثقل عليّ التقرب من الله تعالى.

أدرك أن العادة السرية التي أرتكبها هي نتيجة لما خلفته هذه المشاكل في نفسيتي، ومع ذلك أحاول مجاهدة نفسي للصلاة والمحافظة على السنن، وأحضر مجالس الذكر، مثل: دروس الشيخ سعيد الكملي المغربي.

سؤالي: كيف أتخلص من هذه الأفكار السلبية وأجاهد نفسي على ترك المعصية؟ وهل يجوز لي أن أسأل الله أن يعوضني في الدنيا قبل الآخرة؟ أحيانًا أشعر بالذنب، وأقول: إني لست سببًا في هذه المشاكل، بل هي نتيجة تقصير عائلتي، فيدفعني هذا الشعور للاستمرار في المعصية، فبماذا تنصحونني؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المختار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفافة والسداد.

أيها الفاضل الكريم: أنا سوف أتناول استشارتك من الناحية النفسية، وسوف يتناولها الشيخ الدكتور/ أحمد المحمدي -حفظه الله- من المنظور الشرعي والاجتماعي والنفسي أيضًا.

حقيقة يجب أن تحمد الله كثيرًا، وأن تكون فخورًا بهذا التميز في حياتك وإنجازاتك الأكاديمية، وأنك تتلقى الدراسة في واحدة من أفضل الجامعات في بلادكم.

أنت أنجزت بالرغم من ظروف التنشئة، والظروف التربوية السالبة، لكنك بفضل الله ورحمته ثم بجهدك ومعاونة الذين كانوا يشرفون عليك؛ وصلتَ -الحمد لله- لهذه المرحلة.

فلا تأسَ على الماضي أبدًا، وعلميًا وسلوكيًا نحن دائمًا نقول للناس: إن قوة الحاضر هي الأهم، وأنت -والحمد لله- حاضرك قويٌّ جدًّا، لماذا الحاضر أهم؟ لأن الحاضر نستطيع أن نتحكم فيه، نستطيع أن نديره، نستطيع أن نفصله كما نريد، لذا -يا أخي- يعتبر علماء السلوك أن الحاضر هو الأهم.

فحاضرك -الحمد لله- طيب، وعليك أن تستمر في تميزك الدراسي، وأن تكون شخصًا منجزًا، وأن تضع برامج يومية تدير من خلالها وقتك، وأن تنظر للمستقبل نظرة إيجابية، هذه هي الأسس التي يجب أن تفكِّر على ضوئها.

لا أريدك أبدًا أن تسترسل مع التفكير السلبي الاستحواذي حول الماضي، فالماضي قد مضى وانتهى، وهو عبرة، والمهم هو الحاضر، وحين يكون الحاضر قويًا ومثمرًا -إن شاء الله تعالى- يكون المستقبل أيضًا قويًّا ورائعًا وناجحًا، وذلك لأن الحاضر هو ماضي المستقبل.

فعلى هذا الأساس وعلى ضوء هذه النظرية أرجو أن تدير حياتك.

أمَّا بالنسبة لموضوع العادة السرية: فالحمد لله أنت لديك نفسك اللوامة يقظة جدًّا، -وإن شاء الله تعالى- تتغلَّب على النفس الأمَّارة بالسوء، وذلك من خلال المزيد من العزيمة والتصميم، والاستعانة بالله تعالى وبما يرضيه سبحانه، وأن تفكِّر في الزواج، حتى وإن كنت لا زلت في مرحلة الطلابية، لكن التفكير في الزواج دائمًا -إن شاء الله تعالى-، يقي الإنسان من هذه الممارسات، وهذه الموبقات.

لتساعد نفسك بصورة أفضل أرجو أن تحرص على ممارسة الرياضة، وأن تتجنب السهر، هذه كلها أشياء مهمة وضرورية جدًّا.

وأعتقد سيكون أيضًا من الجيد جدًّا إذا تناولتَ أحد الأدوية البسيطة لتحسين المزاج وإزالة القلق، وإزالة الوسوسة السلبية.

الدواء يعرف باسم (فافرين)، هذا هو اسمه التجاري، ويسمى علميًا (فلوفوكسامين)، أريدك أن تتناوله بجرعة 50 مليجرام ليلًا لمدة 10 أيام، ثم اجعلها مائة مليجرام ليلًا، لمدة ثلاثة أشهر، ثم 50 مليجرام ليلًا لمدة أسبوعين، ثم 50 مليجرام يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناوله.

بهذه الكيفية -أيها الفاضل الكريم- بالتفكير في الحاضر، والتركيز على الحاضر، وحُسن إدارة الحاضر؛ -إن شاء الله تعالى- تعيش حياة طيبة، ويكون لك أيضًا مستقبلًا مشرقًا.

يوجد كتاب للكاتب (Eckhart Tolle) يسمى (The Power of Now)، أي قوة الحاضر أو قوة الآن، والكتاب مترجم وموجود، أرجو أن تطلع عليه، -وإن شاء الله تعالى- سوف تجد فيه كل ما هو خير ومفيد، وواصل -أيها الفاضل الكريم- حرصك على صلاتك، وحضور دروس المشايخ، وعليك بالورد القرآني اليومي والدعاء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
______________________________________
انتهت إجابة: د. محمد عبد العليم .. استشاري الطب النفسي.
تليها إجابة: د. أحمد المحمدي .. الاستشاري التربوي.
_____________________________________
أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يرضيك في الدنيا والآخرة، وأن يرزقك الصلاح والهدى والعفاف والتقى، إنه جواد كريم.

الأخ الفاضل: لا يخفاك أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والله خلقنا فيها ليبتلينا، فيظهر الصادق من الكاذب، والمؤمن من الدعي، وأن البلاء موزع بالعدل والحكمة الإلهية؛ بحيث يأخذ كل واحد حظه من الابتلاء، وقد أحسن القائل:
ثمانية لا بد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمـانية
سرور وهمٌّ واجتماع وفرقة *** ويُسْر وعسر ثم سقم وعافية

والقاعدة التي لا يجب أن تغيب عنك أن أكثر الناس بلاء أقربهم عند الله، لذا كان الأنبياء أكثر الخلق ابتلاء لمكانتهم عند الله تعالى، فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: "قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه ... حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".

ثانيًا: قد ذكرت ما وقع عليك من ابتلاء، ونحن نتفهمه بالطبع، لكن بجوار ذلك هل ذكرتنا بنعم الله عليك؟ نعم، فأنت -والحمد لله- في نعم كثيرة يتمناها آلاف الشباب غيرك!

فقد رزقك الله العافية في البدن، وغيرك من الشباب مريض الكلى يذهب في الأسبوع مرتين أو ثلاث لغسيل كليته، فيضيع يومه ويتعب اليوم الذي يليه ليذهب في اليوم الثالث إلى المشفى مرة أخرى، وهكذا دواليك، أقصى طموح هذا الشاب أن يكون في مكانك.

رزقك الله البصر وهذا أقصى أمل كل كفيف، ورزقك الله السمع وهذه أمنية كل محروم، ورزقك الله التعبير والكلام والحس، ووضع بعد ذلك كل النعم التي تعيشها لتدرك أنك في نعم تستوجب الشكر، بجوار ما ابتلاك الله عز وجل به، فتعيش بين شكر وصبر.

ثالثًا: العادة السرية لا تطفئ الشهوة، بل تزيدها سعارًا، وبعض الشباب يقع في شراك الشيطان ولا يدري، فينتقل من عادة إلى عادة، إلى أن يتنوع ويصير الأمر بالنسبة له أشبه بالعادة المرضية التي يتبعها بعد ذلك أمراضًا جسدية ونفسية أنت في غنى عنها، فاحذر من ذلك واعلم أن الشهوة لا تصاحب، بل تواجه بعدة أمور: التدين، الصوم، الرياضة، الابتعاد عن الفراغ، الصحبة الصالحة، السعي في الزواج، هذا هو الطريق وما عداه وهم.

رابعًا: يجوز لك أن تسأل الله عز وجل ما تريد وما تتمناه من خيري الدنيا والآخرة، وقد علمنا القرآن ذلك في قوله: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، فاطلب من المباح ما شئت، فإذا أتاك فاعلم أنه الخير، وإذا حرمت شيئًا فاعلم أنه الخير، فنحن عبيده يفعل بنا ما شاء، والواجب علينا السعي بكل جهد، مع التسليم لله فيما قضى وقدر.

خامسًا: إننا ننصحك بمواصلة السير في صحبة المشايخ الكرام الذين ذكرت بعضهم، وصحبة دروس العلم، وننصحك بالإحسان إلى أهلك، وإن أساؤوا إليك، فهم محاسبون بين يدي الله على أي تقصير منهم تجاهك، وأنت محاسب كذلك على برك بهم وإن أساءوا إليك، كن أنت حلقة الوصل التي تجمع العائلة، وثق أن الله سيعوضك خيرًا على ذلك.

نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً