الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أستحم في 56 دقيقة.. كيف أتخلص من هذا الوسواس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عندي وسوسة في كل شيء، الاستحمام يوميا يأخذ مني أقل شيء 56 دقيقة، وأكثر شيء ساعتين، وهذا في الأغلب، وأغير الملابس قبل كل صلاة، وأطول في الاستنجاء، وأجد صعوبة فيه، وأنا في بعض الأحيان أشك أني أتبول على نفسي، فأذهب لأستحم، وفي أماكن تبولت عليها قليلة أجد صعوبة في تنظيفها، وبعض الأحيان لا أنظفها مثل البول على الكنبة -أقول ستجف- هل إذا جفت لا تعتبر نجسة؟ وليس هناك مشكلة، بالجلوس عليها، وإلا فتعتبر انتقلت النجاسة لملابسي، فأرجو مساعدتي في حل مشكلة الوسوسة بكل الحلول.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنك بالفعل تعانين من وساوس الخوف من النجاسة، وهي وساوس منتشرة نسبيًا، والوسوسة هي فعل نفسي سلوكي مكتشف، والشيء المكتسب المتعلم يمكن أن يُفقد من خلال التعليم المضاد – أو التعليم المعاكس أريدك أن تستوعبي هذه القاعدة السلوكية استيعابًا جيدًا؛ لأنها سوف تفيدك جدًّا، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: الإنسان يجب أن يُعرض نفسه لمصادر وساوسه دون أن يستجيب لها، هذا هو القانون السلوكي الثاني.

ثالثًا: هنالك ما نسميه بـ (التحصين المتدرج)، وهي طريقة للتعرض للموضوع أو الفعل الوسواسي تدريجيًا، تبدئي بالأهون، ثم الأهون، ثم الأشد فالأشد، وهكذا حتى يُقضى على الأمر.

هذه النقطة مهمة جدًّا، فمثلاً بالنسبة للوساوس الخوف من النجاسة والاستحمام وتغيير الملابس: أولاً لابد أن تُحددي كمية الماء عند الاستنجاء وعند الوضوء وعند الاستحمام، لا تتوضئي مباشرة من ماء الصنبور، لا تغتسلي مباشرة من ماء الصنبور، ضعي ماءً في إناء، وكمية هذا الماء يجب أن تكون معقولة، وقولي لنفسك (هذا هو الماء المتاح لي فقط) تصوري نفسك في صحراء أو في مكان ما.

هذه النقطة مهمة جدًّا، تحديد كمية الماء، وبعد أن ينتهي الماء يجب أن تقاومي نفسك بألا تصبي أي ماء زائد، وأن تقنعي نفسك أن الاستغناء قد اكتمل – وكذلك الاستحمام – وفي ذات الوقت تحددي المدة الزمنية.

أنت الآن يستغرق معك الاستحمام ستة وخمسين دقيقة، ونحن نريد أن يكون خمسة وأربعين دقيقة، هذا لمدة يومين، ثم بعد ذلك في حدود نصف ساعة، ثم يجب ألا يزيد عن عشرين دقيقة، هذا هو التحصين المتدرج، ويجب أن تكوني حازمة وصارمة مع نفسك.

ودائمًا في موضوع تغيير الملابس، قولي لنفسك (لن أغيّر ملابسي، هذه وساوس، ولن أستجيب للوساوس)، وخاطبي الوسواس مخاطبة مباشرة، مخاطبة وجدانية عقلية فكرية معرفية، قولي للوسواس الذي يسيطر عليك ويُلح عليك ويستحوذ عليك (أنت وسواس حقير، أنا لن أتبعك، أنا طاهرة، ولن أغيّر ملابسي أبدًا، ماذا ستفعل معي؟ أنا أقوى منك أيها الوسواس اللعين) وهكذا.

هذه تأملات علاجية عظيمة جدًّا لمن يُطبقها بصورة صحيحة.

وهنالك تمرين آخر بسيط جدًّا أريدك أن تطبقيه: ضعي يدك تحت حذائك وقومي بمسح يدك بشدة بأسفل الحذاء، ثم امسحي يدك باليد الأخرى، والمقصود هو أن تختلط الأوساخ التي انتقلت إلى يدك من الحذاء، ثم بعد خمسة دقائق ضعي ماء في كوب، فقط كوب صغير، ثم اغسلي يديك مرتين، ولا تزيدي على ذلك، كرري هذا التمرين عدة مرات.

هذه كلها تمارين تعرضية سلوكية معروفة، وإن استطعت أن تذهبي إلى معالجة نفسية سوف تطبق معك هذه التمارين أو تمارين أخرى، ودائمًا الاسترشاد بالمعالج قد يكون أفضل، لأن المعالج يُحفز المريض، ويكون هو القدوة أو النموذج الذي يتبعه المريض، ومن ثم تسهل كثيرًا هذه التطبيقات السلوكية.

الجزء الآخر في العلاج هو العلاج الدوائي، أُبشرك أنه وبفضل من الله تعالى وبعد أن اتضح أن الوساوس أحد مسبباتها هو اضطراب في كيمياء الدماغ تتعلق بمادة تسمى (سيروتوتنين) اتضح أن الأدوية تُمثل علاجًا مهمًّا، والأدوية الآن – الحمد لله – سليمة، لكن هناك شروطا لنجاح فعل الأدوية، وهذه الشروط هي: أن تلتزمي التزامًا قطعًا بالجرعة الدوائية، وأن تكون مدة العلاج مكتملة.

من أفضل الأدوية عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين).

هناك نقطة هامة: أنت لم توضحي عمرك، وأنا أقول إن كان عمرك أقل من عشرين عامًا لا تستعملي أي دواء دون أن تذهبي إلى الطبيب.

جرعة البروزاك هي كبسولة واحدة في اليوم، يتم تناولها بعد الأكل، وبعد أسبوع اجعليها كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجرامًا – تستمري عليها لمدة ستة أشهر، بعدها تجعليها كبسولة واحدة في اليوم لمدة أربعة أشهر، ثم تجعليها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، وتكون مدة العلاج قد أكملت العام، وهذه هي المادة المطلوبة.

التحسن يبدأ - إن شاء الله تعالى – بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع من تناول الدواء، وهنا سوف تسهل عليك التطبيقات السلوكية بصورة ممتازة جدًّا، وإن شاء الله التحسن الذي سيطرأ على حالتك سيكون مفيدًا لك؛ لأنه يمثل دفعًا إيجابيًا، ويُشعرك بالرضا وبالاسترخاء الداخلي، وهذا يؤدي إلى المزيد من التحسن، وتحقير الوساوس، وعدم اتباعها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً