السؤال
علمت مؤخراً أن من كان يظن أن اليهود والنصارى ليسوا كفارًا فهو كافر، فهل يجب علي الدخول في الإسلام مجددًا بالشهادة والغسل للتوبة من هذا المعتقد؟ وهل من سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم يجب عليه تجديد الإسلام بالغسل والشهادة، أم الندم والتوبة تكفي؟ وما هي الحالات التي يجب على المسلم أن يجدد إسلامه بنطق الشهادتين والغسل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يكفر المسلم إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير معذور بجهل أو تأويل فيما يكون فيه الجهل والتأويل عذراً، وانظر فتوانا: 60824.
فإن كنت جاهلاً ولا تعلم ذلك مسبقاً، أو كانت عندك شبهة في صحة دينهم ككونهم أهل كتاب ودين سماوي، فلا يعد اعتقادك كفراً إلا بعد إقامة الحجة عليك، ومما يؤسف له أن يوجد في المنتسبين إلى الإسلام من يجهل كون من دان غير هذا الدين كافراً مخلداً في النار، ومن أنكر هذا وجحده فهو على خطر عظيم، وكيف يشك هذا الإنسان في كفر من سب الله تعالى ووصفه بالنقائص والعظائم، فقال: إنه ثالث ثلاثة، وإن له ولداً ـ تعالى الله عما يقول الظالمون المفترون علوا كبيراً ـ وكيف يشك في كفر من سب النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أنه كاذب في دعواه الرسالة؟! وأن القرآن إفك افتراه ـ حاشاه صلى الله عليه وسلم ـ ولقد صرح العلماء بأن من شك في كفر الكافر المعلوم كفره بالضرورة كاليهود والنصارى، فإنه كافر مثله ـ والعياذ بالله ـ قال الحجاوي ـ رحمه الله ـ في الإقناع ضمن ما يوجب الردة: أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، أو قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة فهو كافر، وقال الشيخ: من اعتقد أن الكنائس بيوت الله وأن الله يعبد فيها، وأن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر، وقال في موضع آخر: من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك، فإن أصر صار مرتداً. انتهى.
وليس الاغتسال شرطاً في صحة التوبة من الكفر بلا شك، ولهذا نص العلماء على أنه لا يجوز له تأخير الإسلام حتى يغتسل. قال النووي رحمه الله: إذا أراد الكافر الإسلام فليبادر به ولا يؤخره للاغتسال، بل تجب المبادرة بالإسلام، ويحرم تحريما شديدا تأخيره للاغتسال وغيره.
وأما وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم، فمحل خلاف بين العلماء، فمنهم من أوجبه مطلقاً كالحنابلة، ومنهم من لم يوجبه مطلقاً كالحنفية، ومنهم من فصل فأوجبه إذا أتى الكافر الأصلي أو المرتد بما يوجب الغسل حال كفره، ولم يوجبه إذا لم يكن منه ما يوجب الغسل من جنابة ونحوها.
وهذا التفصيل هو الراجح ودليله مبين في الفتوى: 147945، فانظرها.
ومن تلفظ بكلمة كفر عالماً مختاراً فإنه يكفر بذلك ـ والعياذ بالله ـ وانظر في ذلك الفتوى: 72201، في بيان المرتد.
وقد نص أهل العلم على أن توبة المرتد تكون بإسلامه، فإذا نطق بالشهادتين فقد دخل في الإسلام، إلا أن تكون ردته بسبب جحد فرض ونحوه، فإن توبته حينئذ تكون بالنطق بالشهادتين مع إقراره بالمجحود به، قال في زاد المستقنع: وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن كفر بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قول: أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام. انتهى.
وعليه؛ فلا يكفي من أتي بمكفر أن يتوب فقط، بل لا بد من التلفظ بالشهادتين وما يلزم ذلك مما تقدمت الإشارة إليه.
والكفر من حيث هو لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فكل قول أو فعل أو اعتقاد دل الشرع على كونه كفراً مخرجاً من الملة، فهو كذلك في الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى المرء أن ينطق بالشهادتين إذا وقع منه ذلك.
والله أعلم.