السؤال
بيني وبين كفيلي قضية في الحقوق المدنية, وقد حكمت المحكمة على كفيلي بدفع رسوم تجديد إقامتي, فطلب مني كفيلي إقامتي المنتهية؛ حتى يقوم بتجديدها, ولكني قد أضعت الإقامة مسبقًا, فالتجأت لأصدقائي, فنصحني أصدقائي أنه إن سألك كفيلك عن الإقامة في الحقوق المدنية, فقل: إنك وضعتها في مكتب كفيلك, وقد صدقتهم, وكذبت في الحقوق المدنية, وقلت: إنني وضعتها في مكتب كفيلي, فطلب مني كفيلي أن أحلف على المصحف أني وضعت الإقامة في مكتبه, وهو سيتحمل قيمة التجديد, وإصدار بدل فاقد من الإقامة, وحينها لم أستطع أمام المحقق أن أتراجع, وأقول إني كذبت؛ خوفًا من الأحكام, فاضطررت أن أحلف أني وضعت الإقامة في مكتبه, علمًا أن المحقق حذرني, ولكني تساهلت بجهالة, ولم أعلم ما العقوبة, وواللهِ إني حلفت مضطرًا, وفي اليوم الثاني بدأت أحس بالندم على ما فعلته, وبدأت أحس أن قلبي يؤلمني - وإلى اليوم - وهذا اليمين ما زال في قلبي ينغزني, ويأتيني كل يوم تفكير يقول لي: إنك إلى النار, إلى النار, وليست لك توبة, ولن يغفر الله لك ذنبك, فلا تتعب نفسك وتصلي, فهل سيغفر الله لي ذنبي هذا؟ فقد تعبت من كثرة التفكير, وماذا أعمل؟ وهل أعيد ما خسره كفيلي في إصدار بدل فاقد من الإقامة؟ أم أعيد ما خسره في تجديد الإقامة وإصدار بدل فاقد من الإقامة - علمًا أن كفيلي ملزم قانونيًا بتجديد إقامتي - وأكون بذلك بريئًا مما اقترفته؟ أفيدوني - أثابكم الله -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أقدمت عليه من اليمين الكاذبة على المصحف هو من الذنوب العظيمة، فعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان. متفق عليه .
وفي صحيح البخاري عن فراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «ثم عقوق الوالدين» قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «الذي يقتطع مال امرئ مسلم، هو فيها كاذب.
وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة» فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: «وإن قضيبًا من أراك». أخرجه مسلم.
وقال الحجاوي في نظم الكبائر:
يَمينٌ غَمُوسٌ تارِكٌ لِصَلاتِهِ مُصَلٍّ بِلا طُهْرٍ لَه بِتَعَمُّدِ
فتجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله مما اقترفت، والله عز وجل لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فهو سبحانه يغفر ذنوب التائب مهما عظمت، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، واليمين الغموس لا تجب فيها كفارة يمين عند جماهير العلماء، قال ابن هبيرة: ثم اختلفوا في اليمين المغموس هل لها كفارة؟ فقال أبو حنيفة, ومالك, وأحمد في إحدى روايتيه: لا كفارة لها لأنها أعظم من أن تكفر, وقال الشافعي, وأحمد في الرواية الأخرى: تكفر, واليمين المغموس هي الحلف بالله على أمر ماض متعمد الكذب فيه. اهـ. وراجع للفائدة الفتويين: 7258 34179.
ويجب عليك أن تعطي كفيلك ما دفعه من قيمة إصدار الإقامة بدل الفاقد، ولا يجب عليك أن تعطي كفيلك رسوم تجديد الإقامة ما دام ملزمًا بها أصلًا ولم تلزمه بسبب يمينك الكاذبة.
والله أعلم.