السؤال
لدي سؤال بارك الله فيكم في غاية الأهمية بالنسبة لي، لأنه يعرقل علي أمورا وأعمالا كثيرة: أنوي بعض النوايا التي تكون من ورائها فائدة دنيوية، فمثلا: أريد أن أنقص وزني فأبحث عما في داخلي من نية فأجد أن نيتي هي أن أرتاح في حركتي، وأن يكون مظهري جميلا، وحتى لا أحرج في موضوع الزواج لأنني سمين البنية, ولكنني أتوقف عن المباشرة بما يقتضي إنقاص الوزن خوفا من أن تكون نيتي فيها شرك بالله لأنني أقول في نفسي إنني لم أنو تلك النية ابتغاء مرضاة الله، ولكني نويتها لأغراض ومنافع دنيوية وهي ـ تسهيل حركتي، وأن يكون مظهري جميلا, وأتجنب الإحراج، فهل يجوز للإنسان أن ينوي نية يبتغي منها منفعة دنيوية؟ أم أنه عند ذلك يعتبر مشركا؟ وما مفهوم قوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين؟ وهل تعني هذه الآية أنه يجب أن تكون كل نية تنوى في سبيل إرضاء الله وكل ما عدا ذلك من النوايا يعتبر شركا؟ وكذا الحال في باقي أعمال حياتي كالتطيب والاستحمام وتنظيف الأسنان وترتيب شكلي ولبس الملابس المرتبة, وهل طلب المنفعة بنية الغرض الدنيوي فقط تعد حراما وإشراكا بالله؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمور المذكورة في السؤال من إنقاص الوزن والتطيب والتنظف ونحوها من أمور العادات إذا فعلها الإنسان وقصد من ورائها منفعة دنيوية، فلا إثم عليه في ذلك، ولكن لا يثاب عليها إلا إن نوى بها التقرب إلى الله كالتقوي على طاعة الله تعالى ونحوها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك. وقوله صلى الله عليه وسلم:.. فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
وقول معاذ رضي الله عنه: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي. وفي رواية: أحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي.
وقد فرق بعض أهل العلم بين الأعمال القاصرة والأعمال المتعدية، من حيث حصول الثواب، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن الإنسان إذا لم يقلب المباحات إلى عبادات، هل ينال الأجر؟ فأجاب: إذا فعل المباح ولم ينوِ أنه عبادة فليس فيه أجر، إلا إذا كان فيه نفع متعدٍ، مثل: أن يطعم الإنسان أهله الذين تجب عليه نفقتهم فيطعمهم، فهنا قد لا يستحضر النية ويكون له الأجر، وكذلك إن زرع حباً أو غرس نخلاً فأصاب منه طير أو دابة أو إنسان فإنه يكتب له الأجر. انتهى.
وأما تفسير قوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ـ الآية، فقد بيّنه البغوي ـ رحمه الله ـ في تفسيره فقال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي، قِيلَ: أَرَادَ بِالنُّسُكِ الذَّبِيحَةَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نُسُكِي: حَجِّي، وَقِيلَ: دِينِي، وَمَحْيايَ وَمَماتِي، أَيْ: حَيَاتِي وَوَفَاتِي، لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَيْ: هُوَ يُحْيِينِي وَيُمِيتُنِي، وَقِيلَ: مَحْيَايَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَمَاتِي إِذَا مِتُّ عَلَى الْإِيمَانِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ: طَاعَتِي فِي حَيَاتِي لِلَّهِ وَجَزَائِي بَعْدَ مَمَاتِي مِنَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. انتهى.
فليس في الآية ما يدل على وجوب نية التقرب لله في كل عمل يفعله المرء، وإنما تجب في العبادات دون العادات، وبهذا تعلم أن استمرارك في إنقاص وزنك لأجل مصلحة دنيوية لا حرج فيه، ولا تكون بذلك مشركا، ولكنك لو أردت وجه الله بكل ما تقوم به كان ذلك أفضل لك وأكثر أجرا، وهذا الموضوع في حد ذاته لا يعتبر وسوسة، إذ إن مجرد جهل المرء بالحكم في هذه المسائل لا يعد وسوسة، وإنما يصير ذلك وسوسة إذا استرسل معها بعد معرفته القيود والضوابط في هذا الباب
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 119669, 24782، 174409.
والله أعلم.