السؤال
شكرا لكم على مجهودكم المتواصل في الرد على أسئلة المسلمين. وجزاكم الله خيرا في الدنيا والآخرة.
لي سؤال يحيرني من فضلكم: كيف يبيح بعض علماء المسلمين الموسيقى والغناء مثل (الشيخ القرضاوي، الشعراوي، محمد سيد أحمد المسير (شيخ أزهري)) وبعضهم يحرمونها، ويشددون على العذاب الذي ينتظر من يستمع إلى الموسيقى أو الغناء؟
أنا من مصر، وقد نشأت منذ أن كنت صغيرا جدا وأنا أستمع للمقدمة الموسيقية التي تأتي قبل البرامج الدينية، وبرنامج الشيخ الشعراوي يوم الجمعة، وكذلك اقترنت نغمات معينة كان يعرضها التلفزيون قبل بدء بث الصلاة من أي مسجد، وهناك أغاني لأم كلثوم، وعبد الحليم، وعبد الوهاب، أغاني دينية يناجون فيها الله على أنغام الموسيقى.
فهل كل هؤلاء في جهنم الآن؟
وعندما سافرت إلى السعودية للعمل، وتعاملت مع زملائي في العمل، ولاحظت غضبهم من أمر الموسيقى، تحول شعوري بالاستمتاع أثناء سماعي للموسيقى إلى شعور بالذنب، إلى أن قل الموضوع حتى انتهى تقريبا. بل وصل انصرافهم عن الموسيقى أنه لو كان أحدهم يقود السيارة وأستمع في الراديو إلى صوت فواصل الأخبار الموسيقية، فإنه يترك عجلة القيادة ويضع يده ليطفئ الراديو، أو يخفض من صوته تماما ! الأمر الذي أصابني بالحيرة، وظللت أفكر بعقلي المحدود لو استمعت لقطعة موسيقية مثلا وفاضت روحي إلى بارئها. فلما سألني الله عن ذلك قلت له: لقد أجاز الشيخ فلان سماع الموسيقى.
ما الذي سيحدث وقتها؟
لست مدمنا على سماع الموسيقى، ولكن لأني نشأت منذ الصغر على أن هذا الأمر عادي طالما لم يصحبه رقص، وعري، وإباحية وطالما كان الأمر لا يثير الغرائز وإنما هو مجرد صوت جميل كصوت موج البحر، وزقزقة العصافير.
فما المشكلة في ذلك؟
أرجو الإفادة. هل سماع الموسيقى في وقت ليس وقت صلاة، أو أثناء العمل مثلا. الخ ...هل الاستماع لها لمجرد الترويح عن النفس، أو الاسترخاء. هل هو حرام؟
شكرا.
وأرجو التوضيح بالأدلة كي أستريح من هذا الهم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستماع الغناء المصحوب بالموسيقى، محرم عند جماهير العلماء، بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك؛ وراجع الفتاوى أرقام: 51731، 53872، 54439، 5282.
وأما من سميت من الفضلاء، فالقاعدة أن الحق لا يُعرف بالرجال؛ كما بينا بالفتوى رقم: 108000.
ثم إن هؤلاء لم يبيحوه بإطلاق.
قال الشيخ القرضاوي -وفقه الله-: اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض على معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن، والنغم، والتأثير؟ واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات، والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.
ويقول: ليس كل غناء مباحًا، فلا بد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه. اهـ.
وأما الشيخ الشعراوي -رحمه الله- فيقول في تفسيره: ثم يقول تعالى: {فاستمع لِمَا يوحى} [طه: 13]. استمع أنْ تتكلَّف السماع، والمتكلم حُر في أنْ يتكلم أو لا يتكلم. وتسمَّع. أي: تكلّف أشدّ تكلّفاً لكي يسمع. لذلك؛ فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حين يخبر أنه ستُعم بلوى الغِنَاء، وستنتشر الأجهزة التي ستشيع هذه البلوى، وتصبها في كل الآذان رَغْماً عنها يقول: «مَنْ تسمَّع إلى قَيْنة، صب الآنك في أذنيه» . أي: تكلَّف أنْ يسمع، وتعمَّد أن يوجه جهاز الراديو أو التلفزيون إلى هذا الغناء، ولم يقُل: سمع، وإلاّ فالجميع يناله من هذا الشر رَغْماً عنه. اهـ.
وقال في تفسير قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) لقمان: لا تقُل الغناء، لكن قُلْ: النص نفسه إنْ حثَّ على فضيلة فهو حلال، وإنْ أهاج الغرائز فهو حرام وباطل، كالذي يُشبِّب بالمرأة ويذكر مفاتنها، فهذا حرام حتى في غير الغناء، فإذا ما أضفتَ إليه الموسيقى والألحان، والتكسر والميوعة ازدادت حرمته وتضاعف إثمه. أما ما نراه الآن وما نسمعه مما يُسمُّونه غناء، وما يصاحبه من حركات ورقصات، وخلاعات، وموسيقى صاخبة، فلا شكّ في حرمته. فكل ما يُخرج الإنسان عن وقاره ورزانته، وكل ما يجرح المشاعر المهذبة فهو حرام، ثم إن الغناء صوت فإنْ خرج عن الصوت إلى أداء آخر مُهيّج، تستعمل فيه الأيدي، والأرجل، والعينان، والوسط. . الخ فهذا كله باطل ومحرم. ولا ينبغي للمؤمن الذي يملك زمام نفسه أن يقول: إنهم يفرضون ذلك علينا، فالمؤمن له بصيرة يهتدي بها، ويُميز بين الغثِّ والسمين، والحق والباطل، فكُنْ أنت حكماً على ما ترى وما تسمع، بل ما يرى وما يسمع أهلك وأولادك، وبيدك أنت الزمام إنْ شئتَ سمعتَ، وإنْ شئتَ أغلقتَ الجهاز، فلا حجة لك؛ لأن أحداً لا يستطيع أنْ يجبرك على سماع أو رؤية ما تكره.....
وأما الشيخ المسير فقال في مقاله حول الأعياد، بعد ذكر الخلاف في الغناء..،: ولكن تكمن حرمته في فحش القول، أو إثارة الغرائز، أو إظهار المفاتن ..، أو إسراف بحيث يتخذه ديدنه، ويقصر عليه أكثر أوقاته.
ثم قال: وليكن معلوماً أن الغناء المعاصر قائم على الدنس، والابتذال، وهو معول هدم للقيم، وتفتيت لبناء المجتمع ...".انتهى.
وعليه؛ فإن عامة الغناء المعاصر هو مما يأخذ حكم التحريم حتى عند المشايخ المذكورين.
ولا تعني حرمة الغناء الحكم على مستمعه، أو منشده بالنار؛ وإنما هو مستحق للوعيد، وقد تُرفع عنه العقوبة بعدة أسباب بينا بعضها بالفتوى رقم: 232246.
والله أعلم.