السؤال
الله سبحانه وتعالى قص علينا قصصا من البعث كقصة أصحاب الكهف وصاحب مائة عام.... وبين لنا الله عز وجل أن الأموات يكونون في البرزخ حتى إذا جاء وعد البعث فإنهم يبعثون ويظنون أنهم لبثوا عشرا أو يوما، فهل يعني أن السنوات التي نعيشها الآن كلها تكون بالنسبة لهم كيوم واحد فقط؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم المفسرون على الآيات التي تحدث فيها الكفار عن مدة لبثهم في البرزخ واستقلالهم إياها وخلافهم في قدرها، فبعضهم يقول: لبثنا يوما أو بعض يوم، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا عشرا، وسبب ذلك أن شدة العذاب أنستهم مدة البرزخ، أو أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي القبور، ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده، قال القرطبي في التفسير: قوله تعالى: قال كم لبثتم في الأرض ـ قيل: يعني في القبور، وقيل: هو سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا، وهذا السؤال للمشركين في عرصات القيامة أو في النار: عدد سنين ـ بفتح النون على أنه جمع مسلم، ومن العرب من يخفضها وينونها: قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ـ أنساهم شدة العذاب مدة مكثهم في القبور، وقيل: لأن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم، قال ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى الثانية، وذلك أنه ليس من أحد قتله نبي، أو قتل نبيا، أو مات بحضرة نبي إلا عذب من ساعة يموت إلى النفخة الأولى، ثم يمسك عنه العذاب، فيكون كالماء حتى ينفخ الثانية، وقيل: استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي القبور، ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده. اهـ.
وقال الشيخ الشنقيطي في الأضواء: قوله تعالى: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ـ في هذه الآية سؤال معروف: وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا أجابوا بأنهم لبثوا يوما أو بعض يوم، مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب، كقوله تعالى: يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ـ 20 103 ـ والعشر أكثر من يوم أو بعضه، وكقوله تعالى: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ـ 30 55 ـ والساعة: أقل من يوم أو بعضه، وقوله: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ـ 79 46 ـ وقوله: كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ـ 10 45 ـ وقوله تعالى: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ـ 46 35 ـ وقد بينا الجواب عن هذا السؤال في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الكلام على هذه الآية بما حاصله: أن بعضهم يقول لبثنا يوما أو بعض يوم، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة، ويقول بعض آخر منهم : لبثنا عشرا ـ والدليل على هذا الجواب من القرآن أنه تعالى بين أن أقواهم إدراكا وأرجحهم عقلا، وأمثلهم طريقة هو من يقول: إنهم ما لبثوا إلا يوما واحدا، وذلك في قوله تعالى: يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ـ 20 103ـ 10420 103 ـ 104ـ فالآية صريحة في اختلاف أقوالهم، وعلى ذلك فلا إشكال، والعلم عند الله تعالى. اهـ.
وأما قصة أصحاب الكهف: فإنهم لم يموتوا، وإنما ناموا مدة طويلة، وفي ذلك يقول الله تعالى: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ـ أي: أنمناهم وألقينا عليهم النوم، وقال الشيخ الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في أضواء البيان: قوله تعالى: وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ـ ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه بعث أصحاب الكهف من نومتهم الطويلة ليتساءلوا بينهم، أي ليسأل بعضهم بعضا عن مدة لبثهم في الكهف في تلك النومة، وأن بعضهم قال إنهم لبثوا يوما أو بعض يوم، وبعضهم رد علم ذلك إلى الله جل وعلا، ولم يبين هنا قدر المدة التي تساءلوا عنها في نفس الأمر، ولكنه بين في موضع آخر أنها ثلاثمائة سنة بحساب السنة الشمسية، وثلاثمائة سنة وتسع سنين بحساب السنة القمرية، وذلك في قوله تعالى: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا، كما تقدم. انتهى.
وأما قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه: فقد بيّن غير واحد من المفسرين سبب ظنه أنه لبث يوما أو بعض يوم، قال البغوي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: قوله تعالى: فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ـ أي أحياه: قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ـ أي: كم مكثت؟ يقال: لما أحياه الله بعث إليه ملكا فسأله كم لبثت؟ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا ـ وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار قبل غيبوبة الشمس، فقال: لبثت يوما وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ـ بل بعض يوم، قَال الملك: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ ـ يعني التين، وَشَرَابِك ـ يعني العصير ـ لَمْ يَتَسَنَّهْ، أي لم يتغير، فكان التين كأنه قطف في ساعته، والعصير كأنه عصر في ساعته، قال الكسائي: كأنه لم تأت عليه السنون. انتهى.
والله أعلم.