السؤال
أنا من قبيلة (بدون ذكر اسم) معروف عندنا أننا من ذرية صحابي جليل (بدون ذكر اسم)، وهذا هو المعروف، والمتوارث عندنا.
وقد اجتهد الباحثون من أبناء القبيلة، ووضعوا شجرة للقبيلة، تعود إلى هذا الصحابي الجليل.
فهل يجوز لي القول بأن هذا الصحابي جدي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في الإخبار بالانتساب لذلك الصحابي، ما دام انتسابكم إليه مشهورا مستفيضا، وقد تطاول عهده دون نكير من أحد. والناس مؤتمنون على أنسابهم.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع: الأصل أن الناس مؤتمنون على أنسابهم إلا من ادعى الشرف، فإن من ادعى الشرف والانتساب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو إلى من لهم الفضل كالأنصار ونحوهم ممن لهم حق في الإسلام، فإنه لا تقبل منه الدعوى مجردة، لكن لو كان يعلم بشهادة العدول من قرابته الذين يأتمنهم في دينه، حيث قالوا له: نحن من آل البيت، أو عندنا ما يثبت أننا من آل البيت، فإن من حقه أن يبني على شهادة من يثق بهم، فلا يقبل من أحد أن يدعي النسب والشرف إلا أذا أثبت، والإثبات يكون بالشجرة ـ كما هو معلوم ـ التي يعرفها أهل الخبرة، ويكون بشهادة العدول أن فلاناً من آل فلان، ويكون آل فلان قد ثبت نسبتهم إلى آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد يكون الإثبات بما يسميه العلماء: شهادة السماع. وشهادة السماع هي: أن يعرف بين الناس أن البيت الفلاني، أو الفخذ الفلاني، أو القبيلة الفلانية تنسب إلى كذا وكذا. فإذا اشتهر بين الناس أن هذا البيت من آل البيت، فإنه يلحق، ويحكم بثبوت نسبه بهذه الشهادة، وهذه التي يسميها العلماء: شهادة السماع، يعني يتسامع الناس في بيئة أو حي، أو قبيلة، أو جماعة بأن بني فلان من آل النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بني فلان من آل البيت، فيحكم بهذه الشهادة. اهـ.
واحذر أخي السائل أن يكون إخبارك بالانتساب لذلك الصحابي على سبيل الفخر على الناس؛ فإن الفخر منهي عنه، وقد عده بعض الفقهاء صورة من صور الكبر، والعياذ بالله.
جاء في الموسوعة الفقهية عن تعريف الفخر: وَهُوَ الْمُبَاهَاةُ بِالْمَكَارِمِ وَالْمَنَاقِبِ مِنْ حَسَبٍ وَنَسَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِمَّا فِي الْمُتَكَلِّمِ، أَوْ فِي آبَائِهِ. اهـ.
وجاء فيها عن حكمه: الْفَخْرُ مِنَ الأْمُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرْعًا فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ:
مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَال: قَال رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ. أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ.
قَال الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ رَجُلاَنِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، فَهُوَ الْخَيِّرُ الْفَاضِل، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيبًا فِي قَوْمِهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، فَهُوَ الدَّنِيُّ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ شَرِيفًا رَفِيعًا.
وَقِيل: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتَخِرَ إِمَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، فَإِذَنْ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ ذَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَالذَّلِيل لاَ يَسْتَحِقُّ التَّكَبُّرَ، فَالتَّكَبُّرُ مَنْفِيٌّ بِكُل حَالٍ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الأْشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأْحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأْنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ.
قَال الأْبِيُّ: يَعْنِي الْفَخْرَ بِهَا مَعَ احْتِقَارِ الْغَيْرِ؛ لأِنَّ مُطْلَقَهُ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيل طَلَبِ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ.
وَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ، كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ قُدَامَةَ الْفَخْرَ مِنْ دَرَجَاتِ الْكِبْرِ. اهــ.
والله أعلم.