الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أمر البرزخ من الغيب الذي لا نعلم منه إلا ما بلغنا عن طريق الوحي.
وحسب المسلم التصديق بالنصوص الثابتة في هذا الباب، وأن يرد العلم إلى الله سبحانه وتعالى فيما وراء ذلك، وألا يشتغل بالبحث عن التفاصيل التي لم تصرح بها النصوص؛ فهذا من التكلف المذموم، ولا تترتب عليه فائدة عملية للمسلم في دينه، أو ديناه.
فقولك: (1. الموتى هل لهم حياة مثل حياتنا بكوكب آخر؟)
فإن الأموات لهم حياة برزخية تختلف اختلافًا كليًّا عن حياة الدنيا، وأجساد الأموات تحت الأرض، كما لا يشك فيه عاقل، وليست في كوكب من الكواكب، قال ابن القيم: الروح هل تعاد إلى الميت في قبره وقت السؤال أم لا؟
فقد كفانا رسول الله أمر هذه المسألة، وأغنانا عن أقوال الناس، حيث صرح بإعادة الروح إليه، فقال في حديث البراء بن عازب: فتعاد روحه في جسده.
وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف... وسر ذلك أن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينًا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ؛ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقًا كليًّا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة.
وقد ذكرنا في أول الجواب من الأحاديث والآثار ما يدل على ردها إليه وقت سلام المسلم. وهذا الرد إعادة خاصة، لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه؛ إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتًا ولا نومًا ولا فسادًا. اهـ. باختصار من الروح.
وأما سؤالك: (2. هل يرى الميت كل أحبابه وأقربائه الأموات في كل مكان، أم يرى أمواتًا في قبر واحد فقط؟
3. (هل الميت يرانا أو يسمع أخبارنا؟):
فإن الوارد هو أن الميت يعلم من يزوره إذا كان يعرفه في الدنيا، ويستأنس بأحبابه إذا زاروه، ويعلم أخبار أهله من خلال سؤال من لحق به من الموتى، فيقول: ما فعل فلان وفلانة؟ ونحو ذلك.
وأما رؤيته لكل من يعرفهم من الأحياء أو الأموات، فلم ترد في النصوص.
وراجع تفاصيل هذا في الفتاوى: 24738، 233866، 10565، 4276، 389797، 80825.
وأما سؤالك: (4- هل الميت تبقى روحه في القبر، وإذا بدأ يوم الآخرة تخرج روحه؟): فغير واضح.
وأما سؤالك: (5-هل يشعر الميت بالهموم والاكتئاب؟):
فإن الميت في قبره قد يناله شيء من الآلام النفسية، قال ابن القيم: عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله، ومنه قوله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، أي: يتألم بذلك، ويتوجع منه، لا أنه يعاقب بذنب الحي، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وهذا كقول النبي: السفر قطعة من العذاب، فالعذاب أعم من العقوبة. ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل فيتألم به، فيشرع للمصلى عليه أن يسأل الله تعالى له أن يقيه ذلك العذاب. اهـ. من الروح.
وإن أردت الاستزادة في هذا الباب، فراجع: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، والروح لابن القيم، وأهوال القبور لابن رجب، وشرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور للسيوطي، والبحور الزاخرة في علوم الآخرة للسفاريني. ومن الكتب المعاصرة: كتاب القيامة الصغرى للدكتور عمر الأشقر.
والله أعلم.