السؤال
أنا مسلم -ولله الحمد-، أعمل وأقيم في إحدى الدول العربية، متزوج من مسلمة، ولنا أولاد، وهم يعيشون في بلدي، ويأتون لزيارتي والإقامة معي بضعة شهور في السنة، وتعرفت إلى امرأة أجنبية نصرانية تقيم في نفس الدولة العربية التي أعمل وأقيم بها، ولم يسبق لها الزواج من قبل، لكن لها ولدان -17 و15 سنة-، يعيشان في بلدها الأجنبي، وتكلّمت معها أنها لا بد أن تفهم أن الزنى حرام، ولا بدّ أن تتبع الدِّين النصراني، ووعدتني أنها سوف تكون إنسانة أفضل، ولن تعصي الله، واتفقنا على أن نتزوج، لكني لن أخبر زوجتي الأولى، ولا عائلتي بهذا الزواج، وسوف نعقد الزواج شفهيًّا دون توثيق، بوجودي أنا، وهي، وبعض الأصدقاء النصارى (رجالًا ونساء)، ورجلين مسلمين، مع حضور أهلها عبر الإنترنت؛ وذلك لصعوبة سفرنا لهم، وصعوبة مجيئهم لنا، وسيحضر أخوها الشقيق النصراني البالغ من العمر أكثر من 30 عامًا، وأمّها النصرانية، وأبناؤها الذكران 17 و15 سنة النصرانيان، وسوف يقول أخوها لي عبر المكالمة المرئية: زوّجتك موكلتي، وأنا سوف أقول له: قبلت.
وقد شرحت لها كل حقوقها، لكنها قالت لي: إنها متنازلة عن حقّها في العدل في الإنفاق، والمبيت، ومتنازلة عن حقوقها، إن حصل طلاق، وفي حالة وفاتي، فهي متفهّمة أنني لا أريد أن تعلم أسرتي بذلك الزواج، ومن ثم؛ فهي متنازلة عن الميراث.
والزواج غير مشروط بمدة، لكننا متفهمان أن إقامتنا نحن الاثنين في هذا البلد العربي متوقّفة على وجود عقد العمل، فإن انتهى عقد العمل، فسنبحث عن عمل آخر، وسوف نفعل كل ما في وسعنا لنجتمع ونبقى معًا، لكن إذا لم تسمح الظروف، وكان الفراق حتميًّا، وخارجًا عن إرادتنا، فسوف نقوم بالطلاق بالتراضي، فهل هذا الزواج بناء على الشرح، والظروف، والشروط المذكورة صحيح وحلال أم حرام؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولًا إلى أنّ التعارف بين الرجال والنساء الأجنبيات، وما يحصل من الكلام، والمراسلة دون حاجة معتبرة؛ فهو باب فتنة وفساد، والتهاون في هذه العلاقات بدعوى الصداقة، أو الزمالة، ونحو ذلك؛ مخالف للشرع.
وننبهك ثانيًا: إلى أنّ الأولى للمسلم ألا يتزوج غير المسلمة، ولا سيما في هذه الأزمان، حيث يكتنف زواج الكتابيات كثير من المفاسد، والمخاطر، وانظر الفتويين: 5315، 80265.
واعلم أنّ الزواج من الكتابية غير العفيفة لا يجوز، قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: وأما الفاجرات غير العفيفات عن الزنى؛ فلا يباح نكاحهن، سواء كن مسلمات، أو كتابيات؛ حتى يَتُبْن؛ لقوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية. انتهى.
فإن كانت المرأة المذكورة غير تائبة من الزنى؛ فلا يصحّ زواجها.
وإن كانت تائبة من الزنى؛ فيشترط أن يزوجها وليّها، ووليّ المرأة على الترتيب على القول الراجح عندنا هو: أبوها، ثم جدّها، ثم ابنها، ثم أخوها الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أولادهم، وإن سفلوا، ثم العمومة.
فإن كان للمرأة أب؛ لم يصحّ أن يزوّجها أخوها، لكن يجوز للوليّ الأقرب أن يوكّل غيره في عقد الزواج، ولو كان التوكيل عن طريق الهاتف أو الإنترنت، وراجع الفتوى: 56665.
ويشترط -على القول الراجح عندنا- حضور شاهدين مسلمين، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: الفصل الثالث: أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين، سواء كان الزوجان مسلمين، أو الزوج وحده. نص عليه أحمد. وهو قول الشافعي. انتهى.
وعقد الزواج عن طريق الإنترنت، مختلف في جوازه؛ والأحوط تركه، وفي جواز التوكيل غنية عنه، وراجع الفتوى: 289177.
وإذا كان في نيتك أنّك إذا لم تجد فرصة عمل في البلد الذي تقيم فيه مع هذه المرأة؛ فسوف تطلّقها؛ ولم يكن ذلك مشروطًا في العقد؛ ففي صحة العقد خلاف بين أهل العلم؛ والجمهور على صحته؛ وانظر الفتوى: 50707.
وعلى العموم؛ فإنا لا ننصح بالزواج من هذه المرأة.
وفي الأخير وتعليقًا على قول السائل: هي تنازلت عن الميراث، لا يفوتنا أن نفيده أن الكتابية لا ترث زوجها المسلم؛ لأن من موانع الإرث اختلاف الدِّين.
والله أعلم.