السؤال
هل الأفضل أن تقتصر خطبة الجمعة على المواعظ، والترغيب والترهيب، دون طرح المسائل الفقهية -كأحكام الزكاة، ونصابها، وفيما تجب، ولمن تجب، وغير ذلك، وحكم الجمع بين الصلاتين وأقوال العلماء في ذلك، ومسائل أخرى يحتاج الناس لمعرفتها- أم الأفضل طرح مثل هذه المسائل في الخطبة، وشرحها، وتفصيلها؛ وذلك لأن الناس لا يجتمعون إلا في صلاة الجمعة؛ فتكون مناسبة لتعريف أكبر قدر ممكن منهم في ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل في خطبة الجمعة أن تكون للوعظ، والتذكير، وتقرير أصول الإيمان، وتحبيب الله تعالى إلى خلقه، وذكر ِنعَمه عليهم، وذكر الجنة والنار، وما أعدّه الله لأوليائه وأعدائه.
وينبغي للخطيب أيضًا أن يعلّم الناس ما يحتاجونه من الشرائع، وهكذا كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم تجمع بين الأمرين، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- مبيِّنًا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ، وَشَرَائِعَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ، إِذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ ... اهــ.
وقال أيضًا: وَكَانَ يَخْطُبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا تَقْتَضِيهِ حَاجَةُ الْمُخَاطَبِينَ، وَمَصْلَحَتُهُمْ ... اهــ.
وقال أيضًا: كَذَلِكَ كَانَتْ خُطْبَتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا هِيَ تَقْرِيرٌ لِأُصُولِ الْإِيمَانِ، مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا أَعَدَّ اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَمَا أَعَدَّ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ؛ فَيَمْلَأُ الْقُلُوبَ مِنْ خُطْبَتِهِ إِيمَانًا وَتَوْحِيدًا، وَمَعْرِفَةً بِاللهِ وَأَيَّامِهِ، لَا كَخُطَبِ غَيْرِهِ الَّتِي إِنَّمَا تُفِيدُ أُمُورًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَهِيَ النَّوْحُ عَلَى الْحَيَاةِ، وَالتَّخْوِيفُ بِالْمَوْتِ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ إِيمَانًا بِاللهِ، وَلَا تَوْحِيدًا لَهُ، وَلَا مَعْرِفَةً خَاصَّةً بِهِ، وَلَا تَذْكِيرًا بِأَيَّامِهِ، وَلَا بَعْثًا لِلنُّفُوسِ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ؛ فَيَخْرُجُ السَّامِعُونَ وَلَمْ يَسْتَفِيدُوا فَائِدَةً غَيْرَ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ، وَتُقَسَّمُ أَمْوَالُهُمْ، وَيُبْلِي التُّرَابُ أَجْسَامَهُمْ؛ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ إِيمَانٍ حَصَلَ بِهَذَا؟! وَأَيُّ تَوْحِيدٍ وَمَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ حَصَلَ بِهِ؟
وَمَنْ تَأَمَّلَ خُطَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُطَبَ أَصْحَابِهِ؛ وَجَدَهَا كَفِيلَةً بِبَيَانِ الْهُدَى وَالتَّوْحِيدِ، وَذِكْرِ صِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَأُصُولِ الْإِيمَانِ الْكُلَّيَّةِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَذِكْرِ آلَائِهِ تَعَالَى الَّتِي تُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَأَيَّامِهِ الَّتِي تُخَوِّفُهُمْ مِنْ بَأْسِهِ، وَالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ الَّذِي يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ؛ فَيَذْكُرُونَ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ مَا يُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَيَأْمُرُونَ مِنْ طَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ وَذِكْرِهِ مَا يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ؛ فَيَنْصَرِفُ السَّامِعُونَ وَقَدْ أَحَبُّوهُ وَأَحَبَّهُمْ. اهــ.
وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى: 430396، والفتوى المحال عليها فيها.
والله أعلم.