السؤال
كنت امرأة موسرة، وكنت أتصدق بغير حساب، ولم أكن أبقي لنفسي شيئا، طمعا فيما عند الله -والحمد لله-. وفي الآونة الأخيرة أصبحت فقيرة، وليس عندي إلا ما يكفيني، أنا وولدي. ومع ذلك لم أمنع المواد الغذائية التي أتصدق بها على الفقراء، ولو قلّت: من دقيق، وسكر، وزيت، وغيرها.
فوجدت أنني أضيع نفسي، وولدي أحيانا، فينتهي ما عندي، ولا أعلم متى يأتيني المال. فهل أكون آثمة إن منعت الصدقات، أو قللت منها؟ وماذا عن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا توكي، فيوكى عليك؟ وكيف تكون الصدقة عند الفقر؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دمت لم تنذري تلك الصدقات، فإنها لا تكون واجبة عليك، ولا تأثمين بعدم إخراجها، والصدقة الواجبة -بأصل الشرع- هي الزكاة. وأما الصدقة التي يخرجها الإنسان تطوعا؛ فإنها لا تجب عليه، ولا تكون واجبة لمجرد أنه تعود على إخراجها.
وأما كيف تكون الصدقة عند الفقر؛ فالفقير له أن يتصدق بالفاضل عن نفقته، ونفقة من يعول، والمهم أن لا يضيع النفقة الواجبة عليه لنفسه، ولمن يعول، وقد بينا في الفتوى: 178113، والفتوى: 465874. أن الفقهاء نصوا على تحريم الصدقة، وأنها لا تحل لمن هو محتاج إلى ما يتصدّق به في كفايته، وكفاية من تلزمه كفايته، أو في قضاء دَينه.
كما بينا في الفتوى: 436075، والفتوى: 134794. أن أفضل الصدقة هي التي تكون بعد القيام بحقوق النفس، والعيال، بحيث لا يصير المتصدق محتاجًا بعد صدقته إلى أحد.
وأما حديث: أَعْطِي، وَلَا تُوكِي، فَيُوكَى عَلَيْكِ. فهو حديث أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لِي شَيْءٌ، إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ بَيْتَهُ، أَفَأُعْطِي مِنْهُ؟ قَالَ: أَعْطِي، وَلَا تُوكِي، فَيُوكَى عَلَيْكِ. اهــ.
وهذا الحديث ليس فيه أن أسماء أمرت بالصدقة مع فقرها، أو أن ما يأتي به زوجها لم يكن يكفيهم، وإنما فيه الحث على الصدقة مما يأتي به زوجها، ولم يتطرق لما يأتي به زوجها هل هو قليل؟ أم كثير؟ فلا يتعارض هذا الحديث مع ما ذكرناه سابقا من أن المتصدق يبدأ بنفسه، ويتصدق بالفاضل، ولا يضيع نفقة واجبة عليه بالصدقة.
والله أعلم.