السؤال
منذ أربعة أشهر عرفت أنني مصابة بسرطان الثدي, في أول الأمر صدمت وتخالطت في ذهني عدة أفكار وتخوفات, منها أن بناتي صغار السن (ست سنوات وأربع سنوات), لكن سرعان ما أفقت واستغفرت الله سبحانه وتعالى وعرفت أن تخوفي الوحيد هو أن يكون أجلي قد وصل وربي غير راض عني، لأن هناك ذنوبا بالنسبة لي صغيرة ولا أبالي لها وقد تكون عظيمة عند الله، فصرت أحسب خطاياي كل عمل أردت القيام به أو قول أردت أن أقوله, إلا وفكرت مليا وتيقنت أنني على ما يرضي الله، ومنذ ذلك الحين, شعرت شيئا ما بالطمأنينة حيث أجريت لي عملية جراحية وبدأت بالعلاج ويا له من علاج ذي ألم حاد، ففي أشد الألم أشكر الله وأحمده فأنا على يقين أن عذاب الدنيا أهون بكثير من عذاب الآخرة, ولعل بهذا العذاب يغفر الله لي ذنوبي، وعند اقتراب انتهاء العلاج الكيماوي (la chimiothérapie) ولم يبق لي سوى حصة واحدة كانت مبرمجة يوم 31 ديسمبر, فوجئت بوجود عدة عقد (les nodules) في الثدي والإبط اللذين أجريت فيهم العملية الجراحية، أعطاني الطبيب دواء لمدة عشرة أيام ثم سيعمل فحصا ليعرف إذا كانت تلك العقد سرطان منتشر، الانتظار صعب جدا, وبمجرد التفكير في العلاج الكيماوي أصاب بغثيان النفس، إذا كان أجلي قد اقترب أنا راضية بحكم الله سبحانه وتعالى، سؤالي الأول هو: إذا تبين أنه سرطان وامتنعت عن العلاج الكيماوي بينما قبلت العلاجات الأخرى (كالعلاج بالأشعة والعلاج بالأعشاب...) هل بهذا أكون قد ارتكبت ذنبا مع الله وأكون كمن انتحر, والله يعلم أني لن ولم أفكر قط في الانتحار لأني أخاف الله، إنما لا استطيع تحمل التأثيرات السلبية لهذا العلاج وغالبا يكون بدون جدوى.
سؤالي الثاني: أرشدوني إلى أحسن طريقة لجمع الحسنات في هذه الأيام المتبقية لي, عسى الله أن يغفر لي ذنوبي.
سؤالي الأخير: هل أعمالي مقبولة بعدما عرفت بمرضي، أستحلفكم بالله أن تساعدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء تاماً لا يغادر سقماً، وأن يطيل عمرك في طاعته، وأن يقر عينك بذريتك، وأن يقر عينهم بك.
واعلمي أن الابتلاء سنة كونية، وأن الله سبحانه إذا أحب قوماً ابتلاهم، وأن من شأن المؤمن الصبر على البلاء فيزداد رفعة في درجاته، ولمعرفة بعض الأمور المعينة على تجاوز المصائب راجعي الفتوى رقم: 5249.
ثم إنه ينبغي أن يُعلَم أن الإصابة بالمرض لا تعني الموت بعده، فقد يموت سليم البدن عند حلول الأجل، ويشفى المريض ويعيش عشرات السنين بعده، وقد صدق من قال:
فكم من صحيح مات من غير علة * وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
فلا ينبغي أن تيأسي من رحمة الله، بل عليك بالإكثار من دعائه والتضرع إليه في كل وقت وحين، وبخصوص ما أوردت من أسئلة فنجمل جوابها في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أنه قد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 64214 جواز ترك التداوي ولو كان المرض قد يؤدي إلى الهلاك إذا لم يكن حصول الشفاء بالدواء المعين محققاً، ولكن لا ينبغي الإقدام على ترك التداوي دون استشارة الثقات وذوي الخبرة من الأطباء.
النقطة الثانية: أن أهم ما يتقرب به إلى الله سبحانه في كل وقت وحين أداء الفرائض واجتناب المحرمات، ثم التقرب إلى الله بالنوافل حسب الاستطاعة، وراجعي للمزيد من الفائدة بهذا الخصوص الفتوى رقم: 29051، والفتوى رقم: 24211.
ثم إن الصبر وإحسان الظن بالله تعالى عبادتان ينبغي أن تحرصي عليهما في مئل هذا الحال الذي أنت فيه.
النقطة الثالثة: أن لقبول العمل شرطين هما: الإخلاص وموافقة السنة، فإذا تحقق هذان الشرطان قُبِل العمل بإذن الله، ولا يضر حصوله في حال البلاء، بل إن الله سبحانه قد بين في كتابه أنه قد يبتلي عباده ليتوبوا، قال سبحانه وتعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21}، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 14005، والفتوى رقم: 31702.
والله أعلم.