الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق المعلق الذي يقصد به وقوع الطلاق عند تحقق الشرط طلاق نافذ بلا ريب, ولم نقف على ما يفيد ثبوت القول بعدم وقوع الطلاق المعلق مطلقًا عن الإمام علي - رضي الله عنه - أو غيره من الصحابة والتابعين, وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على وقوع هذا الطلاق, ومنهم: ابن حزم في كتاب مراتب الإجماع ، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 125064
وأما الطلاق المعلق والحلف بالطلاق الذي لا يقصد به إيقاع الطلاق, وإنما غرضه الحض والمنع ونحو ذلك: فالجمهور على وقوعه, وبعض أهل العلم - كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - لا يوقعونه طلاقًا, وإنما حكمه حكم اليمين بالله، والراجح عندنا قول الجمهور, وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 11592.
كما أن الإشهاد على الطلاق ليس بشرط عند أكثر أهل العلم, وهو الراجح كما بيناه في الفتوى رقم: 143987.
وأما الطلاق البدعي: كالطلاق في الحيض, أو في طهر تخلله جماع: فهو واقع عند أكثر أهل العلم, خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه على عدم وقوعه، والمفتى به عندنا مذهب الجماهير لقوة أدلته، قال ابن قدامة - رحمه الله -: فإن طلق للبدعة، وهو أن يطلقها حائضًا، أو في طهر أصابها فيه، أثم، ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم, قال ابن المنذر, وابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال, وحكاه أبو نصر عن ابن علية، وهشام بن الحكم، والشيعة قالوا: لا يقع طلاقه؛ لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة، فإذا طلق في غيره لم يقع، كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره, ولنا حديث ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها, وفي رواية الدارقطني قال: فقلت: "يا رسول الله، أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا، كانت تبين منك، وتكون معصية." وقال نافع: وكان عبد الله طلقها تطليقة، فحسبت من طلاقه، وراجعها كما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ومن رواية يونس بن جبير، عن ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: أفتعتد عليه، أو تحتسب عليه؟ قال: نعم, أرأيت إن عجز واستحمق، وكلها أحاديث صحاح؛ لأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق، فوقع، كطلاق الحامل، ولأنه ليس بقربه، فيعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة، وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى، تغليظًا عليه، وعقوبة له. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 5584.
والله أعلم.