قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم وفي أمثال تضربها الأيام للأنام - وما أكثر أشباهها منها - لأن كل ما يصير إلى فناء منها يشبهها، فمن أوتي من الدنيا أشياء ثلاثة، فقد أوتي الدنيا بحذافيرها: الأمن، والقوت، والصحة، لا يغتر بشيء منها إلا كل خداع، ولا يركن إليها إلا كل مناع. الدنيا بحر طفاح، والناس في أمواجها يعومون،
فالعاقل يعلم أن ما لم يبق لغيره عليه غير باق، وأن ما سلب عن غيره لا يترك عليه، فالقصد إلى ما يعود بالنفع في الآخرة للعاقل من الدنيا أحرى من السلوك في قصد الضن بها، والجمع لها من غير تقديم ما يقدم عليه في الآخرة من الأعمال الصالحة، وترك الاغترار بها، والاعتبار بتقلبها بأهلها، ولا شيء أعظم خطرا من [ ص: 281 ] الحياة، ولا غبن أعظم من إفنائها لغير حياة الأبد، ومن اشتهى أن يكون حرا فليجتنب الشهوات وإن كانت لذيذة، وليعلم أن كل لذيذ ليس بنافع، ولكن كل نافع هو اللذيذ، وكل الشهوات مملولة إلا الأرباح فإنها لا تمل، وأعظم الأرباح الجنة، والاستغناء بالله عن الناس.
ولقد أنشدني علي بن محمد البسامي:
فأعظم بصبر للزمان، فإنه على حالة المكروه ليس بدائم تدور لنا أفلاكه بعجائب
إذا ما انقضت كانت كأحلام نائم سرور، وهم، وانتعاش، وسقطة
إلى أجل دان لذلك هادم وبالله - دون الناس - فاستغن واستعن
إذا أنزلت إحدى الأمور العظائم
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
والناس في هذه الدنيا على رتب هذا يحط، وذا يعلو فيرتفع
فأخلص الشكر فيما قد حبيت به وآثر الصبر، كل سوف ينقطع
وأنشدني المنتصر بن بلال:
فيوم علينا ويوم لنا ويوما نساء، ويوما نسر
كذاك التقارض بين الأنام فخير بخير، وشر بشر