196 - فصل
المذهب الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=28638_27939أنهم في النار .
وهذا قول جماعة من المتكلمين ، وأهل التفسير ، وأحد الوجهين لأصحاب أحمد ، وحكاه القاضي نصا عن أحمد ، وغلطه شيخنا كما سيأتي بيان ذلك .
واحتج هؤلاء بحجج : منها حديث
أبي عقيل يحيى بن المتوكل ، عن
بهية ، عن
عائشة - رضي الله عنها - قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350527سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المسلمين : أين هم ؟ قال : " في الجنة " وسألته عن أولاد المشركين : أين هم يوم القيامة ؟ قال : " في النار " فقلت : لم يدركوا [ ص: 1093 ] الأعمال ، ولم تجر عليهم الأقلام ، قال : " ربك أعلم بما كانوا عاملين ، والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار " .
ولكن هذا الحديث قد ضعفه جماعة من الحفاظ .
[ ص: 1094 ] قال
أبو عمر :
أبو عقيل هذا لا يحتج بمثله عند أهل النقل . وهذا الحديث لو صح لاحتمل من الخصوص ما احتمل غيره .
قال : ومما يدل على أنه خصوص لقوم من المشركين قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350528لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار " ، وهذا لا يكون إلا فيمن قد مات ، وصار في النار .
قال : وقد عارض هذا الحديث ما هو أقوى منه من الآثار .
قلت : مراد
أبي عمر : أن هذا خاص ببعض أطفال المشركين الذين ماتوا ، ودخلوا النار ، ولا يلزم منه أن يكون هذا حكما عاما لجميع الأطفال .
وهذا صحيح يتعين المصير إليه جمعا بينه وبين حديث
سمرة الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " ، وهو صريح بأنهم في الجنة كما سيأتي .
[ ص: 1095 ] واحتجوا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16667عمر بن ذر ، عن
يزيد بن أمية nindex.php?page=hadith&LINKID=10350529أن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب - رضي الله عنه - أرسل إلى عائشة - رضي الله عنها - يسألها عن الأطفال ، فقالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، ذراري المؤمنين ؟ قال : " من آبائهم " ، قلت : بلا عمل ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " قلت : يا رسول الله ، فذراري المشركين ؟ قال : " هم من آبائهم " ، قلت : يا رسول الله ، بلا عمل ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " هكذا قال
مسلم بن قتيبة .
[ ص: 1096 ] وقد رواه غيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16667عمر بن ذر ، عن
يزيد ، عن رجل ، عن
البراء .
ورواه
أحمد من حديث
عتبة بن ضمرة بن حبيب ، حدثني
عبد الله بن قيس مولى
[ غطيف بن ] عفيف أنه سأل
عائشة - رضي الله عنها - ،
وعبد الله هذا ينظر في حاله ، وليس بالمشهور .
وبالجملة ، فلا حجة في الحديث على أنهم في النار ؛ لأنه إنما أخبر بأنهم " من آبائهم " في أحكام الدنيا ، كما تقدم .
[ ص: 1097 ] واحتجوا بما رواه
عبد الله بن أحمد في " مسند " أبيه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17011محمد بن فضيل بن غزوان ، عن
محمد بن عثمان ، عن
زاذان ، عن
علي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350530سألت nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ولدين لها ماتا في الجاهلية ، فقال : " هما في النار " ، فلما رأى الكراهية في وجهها قال : " لو رأيت مكانهما لأبغضتهما " ، قالت : يا رسول الله ، فولدي منك ! قال : " إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار " ثم قرأ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) .
[ ص: 1098 ] وهذا الحديث معلول من وجهين :
أحدهما : أن
محمد بن عثمان هذا مجهول .
والثانية : أن
زاذان لم يدرك
عليا .
وقال
الخلال : أخبرنا
[
حفص بن عمرو الربالي ] ، ثنا
أبو زياد سهل بن زياد ، ثنا
الأزرق بن قيس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16413عبد الله بن الحارث بن نوفل ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ، أين أطفالي من أزواجي من المشركين ؟ قال : " في النار " ، وقالت : بغير عمل ؟ قال : " قد علم الله ما كانوا عاملين " .
[ ص: 1099 ] [ ص: 1100 ] قال شيخنا : وهذا حديث موضوع ، لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي غر
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبا يعلى حتى حكى عن
أحمد " أنهم في النار " ؛ لأن
أحمد نص في رواية
بكر بن محمد ، عن أبيه : أنه سأله عن أولاد المشركين ، فقال : أذهب إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343270الله أعلم بما كانوا عاملين " ، فتوهم القاضي أن
أحمد أراد هذا الحديث ،
وأحمد أعلم بالسنة من أن يحتج بمثل هذا الحديث ، وإنما أراد
أحمد حديث
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة - رضي الله عنهم - .
واحتجوا أيضا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة بن قيس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350532عن سلمة بن يزيد الجعفي قال : أتيت أنا وأخي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : إن أمنا ماتت في الجاهلية ، وكانت تقري الضيف ، وتصل الرحم ، فهل ينفعها من عملها ذلك شيء ؟ قال : " لا " قلنا له : فإن أمنا وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث ، فقال : الموءودة ، والوائدة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم " رواه جماعة كثيرة عن داود .
[ ص: 1101 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر : ثنا
أبو كريب ، حدثنا
معاوية
[ بن ] هشام ، عن
شيبان ، عن
جابر ،
[ عن ]
عامر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة بن قيس ، عن
سلمة بن يزيد الجعفي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350533قلنا يا رسول الله ، إن أمنا كانت تصل الرحم ، وتقري الضيف ، وتطعم الطعام ، وإنها كانت وأدت في الجاهلية فماتت قبل الإسلام ، فهل ينفعها عمل إن عملنا عنها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه [ ص: 1102 ] وسلم - : " لا ينفع الإسلام إلا من أدرك ، أمكم وما وأدت في النار " .
وروى
أبو إسحاق عن عامر ، عن
علقمة ، عن
عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350534الوائدة والموءودة في النار " وهذا لا يدل على أنهم
[ ص: 1103 ] كلهم في النار ، بل يدل على أن بعض هذا الجنس في النار ، وهذا حق كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وقد رد بعضهم على الحديث بأنه مخالف لنص القرآن قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت ) ، سواء كان المعنى أنها
[ ص: 1104 ] تسأل سؤال توبيخ لمن وأدها ، أو تطلب ممن وأدها كما تطلب الأمانة ممن اؤتمن عليها .
وعلى التقديرين ، فقد أخبر سبحانه أنه لا ذنب لها تقتل به في الدنيا ، قتلة واحدة ، فكيف تقتل في النار قتلات دائمة ، ولا ذنب لها ؟ فالله أعدل ، وأرحم من ذلك ؛ لأنه إذا كان قد أنكر على من قتلها بلا ذنب ، فكيف يعذبها تبارك وتعالى بلا ذنب ؟ وهذا المعنى حق لا يعارض نص القرآن ، فإنه لم يخبر أن الموءودة في النار بلا ذنب ، فهذا لا يفعله الله قطعا ، وإنما يدخلها النار بحجته التي يقيمها يوم القيامة إذا ركب في الأطفال العقل ، وامتحنهم ، وأخرجت المحنة منهم ما يستحقون به النار .
واحتجوا بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " في احتجاج الجنة ، والنار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350535وأما النار فينشئ الله لها خلقا يسكنهم إياها " ، قالوا : فهؤلاء ينشئون للنار بغير عمل ، فلأن يدخلها من ولد في الدنيا بين كافرين أولى .
قال شيخنا : وهذه حجة باطلة ، فإن هذه اللفظة وقعت غلطا من بعض الرواة ، وبينها
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله تعالى - في الحديث الآخر الذي هو
[ ص: 1105 ] الصواب ، فقال في " صحيحه " ثنا
عبد الله بن محمد ، ثنا
عبد الرزاق ، ثنا
معمر ، عن
همام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350536تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين ، والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس ، وسقطهم ؟ ! قال الله - عز وجل - للجنة : " أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي " ، وقال للنار : " أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها " .
فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا .
وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا " هذا هو الذي قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا ريب ، وهو الذي ذكره في " التفسير " .
وقال في باب ما جاء في قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين ) .
[ ص: 1106 ] ثنا
[
عبيد الله ] بن سعيد ، ثنا
يعقوب ، ثنا أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16214صالح بن كيسان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350537اختصمت الجنة والنار إلى ربهما ، فقالت الجنة : يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ وقالت النار : ما لها لا يدخلها إلا المتجبرون ؟ فقال للجنة : " أنت رحمتي " ، وقال للنار : " أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها " .
قال : فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا ، وإنه ينشئ للنار من يشاء ، فيلقون فيها ، فتقول : هل من مزيد ؟ ! ويلقون فيها ، وتقول : هل من مزيد ؟ ! ثلاثا ، حتى يضع قدمه فيها فتمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط . "
فهذا غير محفوظ ، وهو مما انقلب لفظه على بعض الرواة قطعا كما انقلب على بعضهم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347861إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم " فجعلوه : " إن
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن
بلال " ، وله نظائر من الأحاديث المقلوبة من المتن .
[ ص: 1107 ] [ ص: 1108 ] وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا لم يحفظ كما ينبغي ، وسياقه يدل على أن راويه لم يقم متنه ، بخلاف حديث
همام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
واحتجوا بما في " الصحيح " من حديث
الصعب بن جثامة أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350538سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ، ونسائهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هم منهم " ، وفي لفظ : " هم من آبائهم " ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك عن قتل النساء والولدان .
ولا حجة لهم في هذا فإنه إنما سئل عن أحكام الدنيا ، وبذلك أجاب ، والمعنى : أنهم إن أصيبوا في التبييت ، والغارة فلا قود ولا دية على من
[ ص: 1109 ] أصابهم لكونهم أولاد من لا قود ولا دية لهم ، وعلى ذلك مخرج الحديث سؤالا وجوابا .
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) ، وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28638_27939ذرية الكافرين تلحق بهم ولا يلحقون بالمؤمنين وذرياتهم ، فإن الله تعالى شرط في الإلحاق إيمان الآباء ، وهذا لا حجة فيه لأن الله تعالى إنما أخبر عن إلحاق ذرية المؤمنين بآبائهم ، ولم يخبر عن ذرية الكفار بشيء ، بل الآية حجة على نقيض ما ادعوه من وجهين :
أحدهما : إخباره أنه لم ينقص الآباء بهذا الإلحاق من أعمالهم شيئا ، فكيف يعذب هذه الذرية بلا ذنب ؟
الثاني : أنه سبحانه نبه على أن هذا الإلحاق مختص بأهل الإيمان ، وأما الكفار فلا يؤاخذون إلا بكسبهم ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21كل امرئ بما كسب رهين ) .
واحتجوا أيضا بقوله تعالى إخبارا عن
نوح أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ، والفاجر والكفار من أهل النار ، وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه إنما أراد به كفار أهل زمانه قطعا ، وإلا فمن بعدهم من الكفار قد ولد بعضهم الأنبياء ، كما ولد آزر
إبراهيم الخليل .
وأيضا فقوله : " فاجرا كفارا " حال مقدرة ، أي من إذا عاش كان
[ ص: 1110 ] فاجرا كفارا ، ولم يرد به أن أطفالهم حال سقوطهم يكونون فجرة كفرة ، كما تقدم بيانه .
196 - فَصْلٌ
الْمَذْهَبُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=28638_27939أَنَّهُمْ فِي النَّارِ .
وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ ، وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ ، وَغَلَّطَهُ شَيْخُنَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ .
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحُجَجٍ : مِنْهَا حَدِيثُ
أَبِي عُقَيْلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ
بَهِيَّةَ ، عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350527سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ : أَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ : " فِي الْجَنَّةِ " وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ : أَيْنَ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " فِي النَّارِ " فَقُلْتُ : لَمْ يُدْرِكُوا [ ص: 1093 ] الْأَعْمَالَ ، وَلَمْ تَجْرِ عَلَيْهِمُ الْأَقْلَامُ ، قَالَ : " رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ " .
وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ .
[ ص: 1094 ] قَالَ
أَبُو عُمَرَ :
أَبُو عُقَيْلٍ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ مِنَ الْخُصُوصِ مَا احْتَمَلَ غَيْرُهُ .
قَالَ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350528لَوْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ " ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَنْ قَدْ مَاتَ ، وَصَارَ فِي النَّارِ .
قَالَ : وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مِنَ الْآثَارِ .
قُلْتُ : مُرَادُ
أَبِي عُمَرَ : أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِبَعْضِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَاتُوا ، وَدَخَلُوا النَّارَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمًا عَامًّا لِجَمِيعِ الْأَطْفَالِ .
وَهَذَا صَحِيحٌ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ
سَمُرَةَ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " ، وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي .
[ ص: 1095 ] وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16667عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10350529أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَسْأَلُهَا عَنِ الْأَطْفَالِ ، فَقَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : " مِنْ آبَائِهِمْ " ، قُلْتُ : بِلَا عَمَلٍ ؟ قَالَ : " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِلَا عَمَلٍ ؟ قَالَ : " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " هَكَذَا قَالَ
مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ .
[ ص: 1096 ] وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16667عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ ، عَنْ
يَزِيدَ ، عَنْ رِجْلٍ ، عَنِ
الْبَرَاءِ .
وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
عُتْبَةَ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ مَوْلَى
[ غُطَيْفِ بْنِ ] عَفِيفٍ أَنَّهُ سَأَلَ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ،
وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا يَنْظُرُ فِي حَالِهِ ، وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ " مِنْ آبَائِهِمْ " فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، كَمَا تَقَدَّمَ .
[ ص: 1097 ] وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي " مُسْنَدِ " أَبِيهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17011مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ
زَاذَانَ ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350530سَأَلَتْ nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَلَدَيْنِ لَهَا مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ : " هُمَا فِي النَّارِ " ، فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهَا قَالَ : " لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا " ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَوَلَدِي مِنْكَ ! قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادُهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ " ثُمَّ قَرَأَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) .
[ ص: 1098 ] وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ هَذَا مَجْهُولٌ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ
زَاذَانَ لَمْ يُدْرِكْ
عَلِيًّا .
وَقَالَ
الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنَا
[
حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ ] ، ثَنَا
أَبُو زِيَادٍ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ ، ثَنَا
الْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16413عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ،
عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَطْفَالِي مِنْ أَزْوَاجِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : " فِي النَّارِ " ، وَقَالَتْ : بِغَيْرِ عَمَلٍ ؟ قَالَ : " قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا كَانُوا عَامِلِينَ " .
[ ص: 1099 ] [ ص: 1100 ] قَالَ شَيْخُنَا : وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ، لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهُوَ الَّذِي غَرَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِيَ أَبَا يَعْلَى حَتَّى حَكَى عَنْ
أَحْمَدَ " أَنَّهُمْ فِي النَّارِ " ؛ لِأَنَّ
أَحْمَدَ نَصَّ فِي رِوَايَةِ
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ : أَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343270اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " ، فَتَوَهَّمَ الْقَاضِي أَنَّ
أَحْمَدَ أَرَادَ هَذَا الْحَدِيثَ ،
وَأَحْمَدُ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ
أَحْمَدُ حَدِيثَ
عَائِشَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15854دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16588عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350532عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ أَنَا وَأَخِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا : إِنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَتْ تُقْرِي الضَّيْفَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا مِنْ عَمَلِهَا ذَلِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : " لَا " قُلْنَا لَهُ : فَإِنَّ أُمَّنَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ ، فَقَالَ : الْمَوْءُودَةُ ، وَالْوَائِدَةُ فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ فَتُسْلِمَ " رَوَاهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ دَاوُدَ .
[ ص: 1101 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : ثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ
[ بْنُ ] هِشَامٍ ، عَنْ
شَيْبَانَ ، عَنْ
جَابِرٍ ،
[ عَنْ ]
عَامِرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16588عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350533قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا عَمَلٌ إِنْ عَمِلْنَا عَنْهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [ ص: 1102 ] وَسَلَّمَ - : " لَا يَنْفَعُ الْإِسْلَامُ إِلَّا مَنْ أَدْرَكَ ، أُمُّكُمْ وَمَا وَأَدَتْ فِي النَّارِ " .
وَرَوَى
أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ
عَلْقَمَةَ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350534الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ " وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ
[ ص: 1103 ] كُلَّهُمْ فِي النَّارِ ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ هَذَا الْجِنْسِ فِي النَّارِ ، وَهَذَا حَقٌّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهَا
[ ص: 1104 ] تُسْأَلُ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ لِمَنْ وَأَدَهَا ، أَوْ تُطْلَبُ مِمَّنْ وَأَدَهَا كَمَا تُطْلَبُ الْأَمَانَةُ مِمَّنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهَا .
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ، فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهَا تُقْتَلُ بِهِ فِي الدُّنْيَا ، قِتْلَةً وَاحِدَةً ، فَكَيْفَ تُقْتَلُ فِي النَّارِ قَتَلَاتٍ دَائِمَةً ، وَلَا ذَنْبَ لَهَا ؟ فَاللَّهُ أَعْدَلُ ، وَأَرْحَمُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا بِلَا ذَنْبٍ ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِلَا ذَنْبٍ ؟ وَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ لَا يُعَارِضُ نَصَّ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَنَّ الْمَوْءُودَةَ فِي النَّارِ بِلَا ذَنْبٍ ، فَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ قَطْعًا ، وَإِنَّمَا يُدْخِلُهَا النَّارَ بِحُجَّتِهِ الَّتِي يُقِيمُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رَكَّبَ فِي الْأَطْفَالِ الْعَقْلَ ، وَامْتَحَنَهُمْ ، وَأَخْرَجَتِ الْمِحْنَةُ مِنْهُمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ النَّارَ .
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فِي احْتِجَاجِ الْجَنَّةِ ، وَالنَّارِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350535وَأَمَّا النَّارُ فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا " ، قَالُوا : فَهَؤُلَاءِ يَنْشَئُونَ لِلنَّارِ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، فَلَأَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ وُلِدَ فِي الدُّنْيَا بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَوْلَى .
قَالَ شَيْخُنَا : وَهَذِهِ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَقَعَتْ غَلَطًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ ، وَبَيَّنَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ
[ ص: 1105 ] الصَّوَابُ ، فَقَالَ فِي " صَحِيحِهِ " ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، ثَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
هَمَّامٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350536تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَتِ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ ، وَالْمُتَجَبِّرِينَ ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ ، وَسَقْطُهُمْ ؟ ! قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْجَنَّةِ : " أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي " ، وَقَالَ لِلنَّارِ : " أَنْتَ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا " .
فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا .
وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا " هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا رَيْبٍ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي " التَّفْسِيرِ " .
وَقَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .
[ ص: 1106 ] ثَنَا
[
عُبَيْدُ اللَّهِ ] بْنُ سَعِيدٍ ، ثَنَا
يَعْقُوبُ ، ثَنَا أَبِي ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16214صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350537اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا ، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ : يَا رَبِّ مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقْطُهُمْ ؟ وَقَالَتِ النَّارُ : مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا الْمُتَجَبِّرُونَ ؟ فَقَالَ لِلْجَنَّةِ : " أَنْتِ رَحْمَتِي " ، وَقَالَ لِلنَّارِ : " أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا " .
قَالَ : فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا ، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا ، فَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ ! وَيُلْقَوْنَ فِيهَا ، وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ ! ثَلَاثًا ، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَمْتَلِئَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَتَقُولُ : قَطْ قَطْ . "
فَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ ، وَهُوَ مِمَّا انْقَلَبَ لَفْظُهُ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ قَطْعًا كَمَا انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347861إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ nindex.php?page=showalam&ids=100ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " فَجَعَلُوهُ : " إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=100ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ
بِلَالٌ " ، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ مِنَ الْمَتْنِ .
[ ص: 1107 ] [ ص: 1108 ] وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا لَمْ يُحْفَظْ كَمَا يَنْبَغِي ، وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَاوِيَهُ لَمْ يُقِمْ مَتْنَهُ ، بِخِلَافِ حَدِيثِ
هَمَّامٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ
الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350538سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ ، وَنِسَائِهِمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " هُمْ مِنْهُمْ " ، وَفِي لَفْظٍ : " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ .
وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا فَإِنَّهُ إِنَّمَا سُئِلَ عَنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَبِذَلِكَ أَجَابَ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ إِنْ أُصِيبُوا فِي التَّبْيِيتِ ، وَالْغَارَةِ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ عَلَى مَنْ
[ ص: 1109 ] أَصَابَهُمْ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَادَ مَنْ لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لَهُمْ ، وَعَلَى ذَلِكَ مُخَرَّجٌ الْحَدِيثُ سُؤَالًا وَجَوَابًا .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28638_27939ذُرِّيَّةَ الْكَافِرِينَ تَلْحَقُ بِهِمْ وَلَا يَلْحَقُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْإِلْحَاقِ إِيمَانَ الْآبَاءِ ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِلْحَاقِ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِآبَائِهِمْ ، وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ ذُرِّيَّةِ الْكُفَّارِ بِشَيْءٍ ، بَلِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى نَقِيضِ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : إِخْبَارُهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُصِ الْآبَاءَ بِهَذَا الْإِلْحَاقِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ هَذِهِ الذُّرِّيَّةَ بِلَا ذَنْبٍ ؟
الثَّانِي : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِلْحَاقَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يُؤَاخَذُونَ إِلَّا بِكَسْبِهِمْ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ
نُوحٍ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) ، وَالْفَاجِرُ وَالْكَفَّارُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ كُفَّارَ أَهْلِ زَمَانِهِ قَطْعًا ، وَإِلَّا فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ قَدْ وَلَدَ بَعْضُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ ، كَمَا وَلَدَ آزَرُ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ .
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ : " فَاجِرًا كَفَّارًا " حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ، أَيْ مَنْ إِذَا عَاشَ كَانَ
[ ص: 1110 ] فَاجِرًا كَفَّارًا ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ أَطْفَالَهُمْ حَالَ سُقُوطِهِمْ يَكُونُونَ فَجَرَةً كَفَرَةً ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .