197 - فصل
المذهب الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=28638_27939أنهم في الجنة :
وهذا قول طائفة من المفسرين والفقهاء والمتكلمين ، والصوفية ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبي محمد بن حزم وغيره .
واحتج هؤلاء بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350539كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه : " هل رأى أحد منكم رؤيا " قال : فيقص عليه من شاء الله أن يقص ، وإنه قال لنا ذات غداة : " إنه أتاني الليلة آتيان . . . " وذكر الحديث ، وفيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350540فأتينا على روضة معتمة ، فيها من كل لون الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط " ثم قال : " وأما الولدان حوله فكل مولود مات على الفطرة " ، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وأولاد المشركين " .
قالوا : فهذا الحديث الصحيح الصريح هو فصل الخطاب .
[ ص: 1111 ] وفي " مستخرج "
nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16732عوف الأعرابي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12004أبي رجاء العطاردي ، عن
سمرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343914كل مولود يولد على الفطرة " فناداه الناس : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ قال : " وأولاد المشركين " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15018أبو بكر بن حمدان القطيعي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15541بشر بن موسى ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17261هوذة بن خليفة ، حدثنا
عوف ، عن
خنساء بنت معاوية قالت :
[ حدثني عمي قال : ] قلت : يا رسول الله ، من في الجنة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350541النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والموءودة في الجنة " ، وكذلك رواه
بندار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر [ ص: 1112 ] عن
عوف .
[ ص: 1113 ] واحتجوا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) .
واحتجوا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ) .
واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - حاكيا عن ربه تعالى أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350487إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا " .
[ ص: 1114 ] واحتجوا أيضا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=14فأنذرتكم نارا تلظى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لا يصلاها ) . . . الآية ، وبقوله في النار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24أعدت للكافرين ) ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين ) . . . الآية ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165رسلا مبشرين ومنذرين ) . . . الآية ، وبقوله لإبليس : . . . (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=18لأملأن جهنم ) . . . الآية .
قالوا : والقرآن مملوء من الأخبار بأن دخول النار إنما يكون بالأعمال ، بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=90هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) . . . الآية ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=76وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=77ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=78لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) ، وقوله :
[ ص: 1115 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=17وهل نجازي إلا الكفور ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=38كل نفس بما كسبت رهينة ) ، ونظير ذلك في القرآن كثير .
وأيضا ، فالدار دار جزاء فلا يدخلها من لا ذنب له ، وما ثم إلا دار الثواب أو دار العقاب ، فإذا لم يدخلوا النار دخلوا الجنة .
قالوا : وإذا كان الله ينشئ للجنة خلقا آخرين يدخلهم إياها بلا عمل ، فالأطفال الذين ولدوا في الدنيا أولى بها .
قالوا : وإذا كان كل مولود يولد على الفطرة إلى أن يغير أبواه فطرته ، فإذا مات قبل التغيير مات على الفطرة ، فكان من أهل الجنة .
قالوا : وقد أخبر تعالى أنه خلق عباده حنفاء مسلمين ، وأن الشياطين اجتالتهم عن دينهم ، فمن مات قبل اجتيال الشياطين مات على الحنيفية ، فيكون من أهل الجنة ، ودليل ذلك ما روى
مسلم في " صحيحه " من حديث
عياض بن حمار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350487إني خلقت عبادي حنفاء " الحديث .
[ ص: 1116 ] وزاد
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن يزيد ، عن
يحيى بن جابر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16343عبد الرحمن بن عائذ ، عن
عياض بن حمار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين ، وأعطاهم المال حلالا لا حراما " .
قالوا : وأيضا ، فالنار دار عدله تعالى ، لا يدخلها إلا من يستحقها ، وأما الجنة فدار فضله فيدخلها من أراد بعمل ، وغير عمل ، وإذا كانت النار دار عدله فمن لم يعص الله طرفة عين كيف يجازى بالنار خالدا مخلدا أبد الآباد ؟
قالوا : وأيضا فلو عذب الأطفال لكان تعذيبهم إما مع تكليفهم بالإيمان ، أو بدون التكليف . والقسمان ممتنعان :
أما الأول : فلاستحالة تكليف من لا تمييز له ، ولا عقل أصلا .
وأما الثاني : فممتنع أيضا بالنصوص التي ذكرناها ، وأمثالها من أن الله تعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه .
قالوا : وأيضا ، فتعذيبهم إما أن يكون لعدم وقوع الإيمان منهم ، وإما لوجود الكفر منهم ، والقسمان باطلان :
أما الثاني : فظاهر ؛ لأن من لا عقل له ولا تمييز لا يعرف الكفر حتى يختاره .
[ ص: 1117 ] وأما الأول : فلو عذبوا لعدم وجود الإيمان الفعلي منهم لاشتركوا هم وأطفال المسلمين في ذلك ، لاشتراكهم في سببه .
فإن قلتم : أطفال المسلمين منعهم تبعهم لآبائهم من العذاب ، بخلاف أطفال المشركين فإنهم يعذبون تبعا لآبائهم ، وإهانة لهم ، وغيظا ، قيل : هذا خطأ ، فإن الله لا يعذب أحدا بذنب غيره ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=54فاليوم لا تظلم نفس شيئا ) . . . الآية ،
قالوا : وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350543هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها " ، فإذا لم يعاقب المكلف بما يهم به من السيئات كيف يعاقب الطفل بما لم يعمله ، ولم يهم به ، ولم يخطر بباله ؟ !
قالوا : ولا خلاف بين الناس أن الطفل الذي لم يميز إذا مات طفلا ، وقد علم الله منه أنه لو عاش لقتل النفوس وسفك الدماء ، وغصب الأموال ، فإن الله لا يعذبه على ذلك .
قالوا : وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في أطفال المشركين : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350544هم من آبائهم " فإنما أراد أنهم منهم في أحكام الدنيا .
[ ص: 1118 ] وأما قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343270الله أعلم بما كانوا عاملين " ، فإنه لم يرد به أنه يجزيهم بعلمه فيهم ، وإن لم يقع معلومه في الخارج .
قالوا : وأيضا ، فإنما قال هذا قبل أن يوحى إليه في أمرهم ، فلما أوحي إليه أنهم في الجنة أخبر به أصحابه .
قلت : وهذا الجواب لا يصح ، فإنه أخبر بهذا في حديث
الأسود بن سريع وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وهما ممن تأخر إسلامه إلى بعد
خيبر ، وإنما الجواب الصحيح أن يقال : إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر بأن الله يعذبهم على علمه فيهم ، وإنما أخبر بأنه " أعلم بما هم عاملون مما يستحقون به العقاب " فإذا امتحنوا في الآخرة ، وعملوا بمعصيته ظهر معلومه فيهم ، فعاقبهم بما هم عاملون لا بمجرد علمه .
قالوا : وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة - رضي الله عنها - " أنهم في النار " فلا يصح ، وقد تقدم كلام الناس فيه .
وأما حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350534الوائدة والموءودة في النار " فليس في الحديث أن الموءودة لم تكن بالغة ، فلعلها وئدت بعد بلوغها .
فإن قلتم : فلفظ الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350545يا رسول الله ، إن أمنا وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الوائدة [ ص: 1119 ] والموءودة في النار " ، فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم : هذه اللفظة وهي قوله " لم تبلغ الحنث " ليست من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا شك ، ولكنها من كلام
سلمة بن يزيد الجعفي ، وأخيه اللذين سألا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن " الموءودة في النار " كان ذلك إنكارا ، وإبطالا لقولهما " لم تبلغ الحنث " وتصحيحا ، لأنها كانت قد بلغت الحنث بوحي من الله إليه بخلاف ظنهما ، لا يجوز إلا هذا القول ؛ لأن كلامه صلى الله عليه وسلم لا يتناقض ، ولا يتكاذب ، ولا يخالف كلام ربه ، بل كلامه يصدق بعضه بعضا ، ويوافق ما أخبر به عن ربه عز وجل ، ومعاذ الله من غير ذلك ! وقد صح إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أطفال المشركين في الجنة ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت ) ، فنص تعالى على أنه لا ذنب للموءودة فكان هذا مبينا لأن إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن تلك الموءودة في النار إخبار عن أنها كانت قد بلغت الحنث بخلاف ظن إخوتها .
وقد روى هذا الحديث عن
داود بن أبي هند محمد بن أبي عدي ، وليس هو دون المعتمر ، ولم يذكر فيه " لم تبلغ الحنث " .
[ ص: 1120 ] ورواه أيضا عن
داود عبيدة بن حميد ، فلم يذكر هذه اللفظة التي ذكرها المعتمر ، ثم ساق الحديثين .
ثم روى من طريق
أبي داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن
علقمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الوائدة والموءودة في النار ، ثم قال : هذا مختصر ، وهو على ما ذكرنا أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما عنى بذلك التي " قد بلغت " ، لا يجوز غير هذا .
قال : وقد يمكن أن يهم فيه
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، فإنه مرة أرسله ، ومرة أسنده ، ولا يخلو ضرورة هذا الخبر من أنه وهم ، أو أن أصله مرسل ، كما رواه
أبو داود : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12396إبراهيم بن موسى ، أنا
nindex.php?page=showalam&ids=17313يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577عامر الشعبي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو أنه إن صح عنه - صلى الله عليه وسلم - فإنما أراد به التي بلغت لا يجوز غير ذلك .
قلت : وهذا الجواب في غاية الضعف ، ولا يجوز أن ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن موءودة لم تبلغ الحنث ، فأجاب عمن بلغت الحنث ، بل إنما خرج جوابه - صلى الله عليه وسلم - لنفس ما سئل عنه ، فكيف ينسب إليه أنه ترك الجواب عما سئل عنه ، وأجاب عما لم يسأل عنه موهما أنه المسئول عنه ، ولم ينبه السائل ؟ ! هذا لا يظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصلا .
[ ص: 1121 ] وأما قوله : " إن هذا الحديث قد روي بدون هذه اللفظة " ، فلا يضره ذلك ؛ لأن الذي زادها ثقة ثبت لا مطعن فيه ، وهو المعتمر بن سليمان ، كيف وقد صرح بالسماع من داود بن أبي هند ! واختصار ابن أبي عدي ، وعبيدة بن حميد لها لا يكون قادحا في رواية من زادها .
وأيضا ، لو لم تذكر في السؤال لكان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - شاملا لها بعمومه ، كيف وإنما كانت عادتهم وأد الصغار لا الكبار ! ولا يضره إرسال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي له ، وإنما الجواب الصحيح عن هذا الحديث أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الوائدة والموءودة في النار " جواب عن تينك الوائدة والموءودة اللتين سئل عنهما ، لا إخبار عن كل وائدة وموءودة ، فبعض هذا الجنس في النار ، وقد يكون هذا الشخص من الجنس الذي في النار .
ويدل عليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15541بشر بن موسى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17261هوذة بن خليفة ، عن
عوف ، عن
خنساء بنت معاوية قالت :
[ حدثني عمي قال : ] قلت : يا رسول الله ، من في الجنة ؟ قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350541النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والموءودة في الجنة " رواه جماعة عن
عوف .
وأخباره - صلى الله عليه وسلم - لا تتعارض ، فيكون كلامه دالا على أن بعض هذا الجنس في الجنة ، وبعضه في النار ، وهذا هو الحق كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
[ ص: 1122 ] وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت ) ، فهذا السؤال إنما هو إقامة لحجته سبحانه على تعذيب من وأدها : إذ قتل نفسا بغير حقها . وأما حكمه سبحانه فيها هي فإنه يحكم فيها بغير حكمه في الأبوين ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى .
197 - فَصْلٌ
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28638_27939أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ :
وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ، وَالصُّوفِيَّةِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ .
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=24سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350539كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَكْثُرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ : " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا " قَالَ : فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ : " إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ . . . " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350540فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتِمَةٍ ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ " ثُمَّ قَالَ : " وَأَمَّا الْوِلْدَانُ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ " ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ " .
قَالُوا : فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ .
[ ص: 1111 ] وَفِي " مُسْتَخْرَجِ "
nindex.php?page=showalam&ids=13855الْبَرْقَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16732عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12004أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ ، عَنْ
سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343914كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ " فَنَادَاهُ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : " وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15018أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15541بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17261هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا
عَوْفٌ ، عَنْ
خَنْسَاءَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ قَالَتْ :
[ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ : ] قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350541النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ " ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
بُنْدَارٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16769غُنْدَرٍ [ ص: 1112 ] عَنْ
عَوْفٍ .
[ ص: 1113 ] وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350487إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا " .
[ ص: 1114 ] وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=14فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لَا يَصْلَاهَا ) . . . الْآيَةَ ، وَبِقَوْلِهِ فِي النَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ ) . . . الْآيَةَ ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) . . . الْآيَةَ ، وَبِقَوْلِهِ لِإِبْلِيسَ : . . . (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=18لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) . . . الْآيَةَ .
قَالُوا : وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنَ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ دُخُولَ النَّارِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْأَعْمَالِ ، بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=90هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) . . . الْآيَةَ ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=76وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=77وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=78لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) ، وَقَوْلِهِ :
[ ص: 1115 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=17وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=38كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ .
وَأَيْضًا ، فَالدَّارُ دَارُ جَزَاءٍ فَلَا يَدْخُلُهَا مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، وَمَا ثَمَّ إِلَّا دَارُ الثَّوَابِ أَوْ دَارُ الْعِقَابِ ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلُوا النَّارَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ .
قَالُوا : وَإِذَا كَانَ اللَّهُ يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا آخَرِينَ يُدْخِلُهُمْ إِيَّاهَا بِلَا عَمَلٍ ، فَالْأَطْفَالُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الدُّنْيَا أَوْلَى بِهَا .
قَالُوا : وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ إِلَى أَنْ يُغَيِّرَ أَبَوَاهُ فِطْرَتَهُ ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّغْيِيرِ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
قَالُوا : وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ اجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اجْتِيَالِ الشَّيَاطِينِ مَاتَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَى
مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ
عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350487إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ " الْحَدِيثَ .
[ ص: 1116 ] وَزَادَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15614ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16343عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ ، عَنْ
عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ ، وَأَعْطَاهُمُ الْمَالَ حَلَالًا لَا حَرَامًا " .
قَالُوا : وَأَيْضًا ، فَالنَّارُ دَارُ عَدْلِهِ تَعَالَى ، لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا ، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَدَارُ فَضْلِهِ فَيَدْخُلُهَا مَنْ أَرَادَ بِعَمَلٍ ، وَغَيْرِ عَمَلٍ ، وَإِذَا كَانَتِ النَّارُ دَارَ عَدْلِهِ فَمَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ كَيْفَ يُجَازَى بِالنَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدَ الْآبَادِ ؟
قَالُوا : وَأَيْضًا فَلَوْ عَذَّبَ الْأَطْفَالَ لَكَانَ تَعْذِيبُهُمْ إِمَّا مَعَ تَكْلِيفِهِمْ بِالْإِيمَانِ ، أَوْ بِدُونِ التَّكْلِيفِ . وَالْقِسْمَانِ مُمْتَنِعَانِ :
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِاسْتِحَالَةِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ ، وَلَا عَقْلَ أَصْلًا .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَمُمْتَنِعٌ أَيْضًا بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَأَمْثَالِهَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ .
قَالُوا : وَأَيْضًا ، فَتَعْذِيبُهُمْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ ، وَإِمَّا لِوُجُودِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ ، وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ :
أَمَّا الثَّانِي : فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ لَا يَعْرِفُ الْكُفْرَ حَتَّى يَخْتَارَهُ .
[ ص: 1117 ] وَأَمَّا الْأَوَّلُ : فَلَوْ عُذِّبُوا لِعَدَمِ وُجُودِ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ مِنْهُمْ لَاشْتَرَكُوا هُمْ وَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ ، لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي سَبَبِهِ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُمْ تَبَعُهُمْ لِآبَائِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ ، بِخِلَافِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ ، وَإِهَانَةً لَهُمْ ، وَغَيْظًا ، قِيلَ : هَذَا خَطَأٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=54فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) . . . الْآيَةَ ،
قَالُوا : وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350543هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا " ، فَإِذَا لَمْ يُعَاقِبِ الْمُكَلَّفَ بِمَا يَهُمُّ بِهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ كَيْفَ يُعَاقِبُ الطِّفْلَ بِمَا لَمْ يَعْمَلْهُ ، وَلَمْ يَهُمَّ بِهِ ، وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ ؟ !
قَالُوا : وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ إِذَا مَاتَ طِفْلًا ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَقَتَلَ النُّفُوسَ وَسَفَكَ الدِّمَاءَ ، وَغَصَبَ الْأَمْوَالَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُهُ عَلَى ذَلِكَ .
قَالُوا : وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350544هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا .
[ ص: 1118 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343270اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مَعْلُومُهُ فِي الْخَارِجِ .
قَالُوا : وَأَيْضًا ، فَإِنَّمَا قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ فِي أَمْرِهِمْ ، فَلَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَخْبَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ .
قُلْتُ : وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهَذَا فِي حَدِيثِ
الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ وَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَهُمَا مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى بَعْدِ
خَيْبَرَ ، وَإِنَّمَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ " أُعْلِمَ بِمَا هُمْ عَامِلُونَ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْعِقَابَ " فَإِذَا امْتُحِنُوا فِي الْآخِرَةِ ، وَعَمِلُوا بِمَعْصِيَتِهِ ظَهَرَ مَعْلُومُهُ فِيهِمْ ، فَعَاقَبَهُمْ بِمَا هُمْ عَامِلُونَ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ .
قَالُوا : وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " أَنَّهُمْ فِي النَّارِ " فَلَا يَصِحُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ النَّاسِ فِيهِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350534الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ " فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَوْءُودَةَ لَمْ تَكُنْ بَالِغَةً ، فَلَعَلَّهَا وُئِدَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا .
فَإِنْ قُلْتُمْ : فَلَفْظُ الْحَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350545يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّنَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " الْوَائِدَةُ [ ص: 1119 ] وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ " ، فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ : هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ " لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا شَكٍّ ، وَلَكِنَّهَا مِنْ كَلَامِ
سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، وَأَخِيهِ اللَّذَيْنِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ " الْمَوْءُودَةَ فِي النَّارِ " كَانَ ذَلِكَ إِنْكَارًا ، وَإِبْطَالًا لِقَوْلِهِمَا " لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ " وَتَصْحِيحًا ، لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتِ الْحِنْثَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ ظَنِّهِمَا ، لَا يَجُوزُ إِلَّا هَذَا الْقَوْلُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَنَاقَضُ ، وَلَا يَتَكَاذَبُ ، وَلَا يُخَالِفُ كَلَامَ رَبِّهِ ، بَلْ كَلَامُهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَيُوَافِقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ! وَقَدْ صَحَّ إِخْبَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ، فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لِلْمَوْءُودَةِ فَكَانَ هَذَا مُبَيِّنًا لِأَنَّ إِخْبَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ تِلْكَ الْمَوْءُودَةَ فِي النَّارِ إِخْبَارٌ عَنْ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتِ الْحِنْثَ بِخِلَافِ ظَنِّ إِخْوَتِهَا .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، وَلَيْسَ هُوَ دُونَ الْمُعْتَمِرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ " لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ " .
[ ص: 1120 ] وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ
دَاوُدَ عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُعْتَمِرُ ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَيْنِ .
ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ
أَبِي دَاوُدَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ ، عَنْ
عَلْقَمَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا مُخْتَصَرٌ ، وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّتِي " قَدْ بَلَغَتْ " ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا .
قَالَ : وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَهِمَ فِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ ، فَإِنَّهُ مَرَّةً أَرْسَلَهُ ، وَمَرَّةً أَسْنَدَهُ ، وَلَا يَخْلُو ضَرُورَةً هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَنَّهُ وَهْمٌ ، أَوْ أَنَّ أَصْلَهُ مُرْسَلٌ ، كَمَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12396إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، أَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17313يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14577عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَوْ أَنَّهُ إِنْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الَّتِي بَلَغَتْ لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ .
قُلْتُ : وَهَذَا الْجَوَابُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْءُودَةٍ لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ ، فَأَجَابَ عَمَّنْ بَلَغَتِ الْحِنْثَ ، بَلْ إِنَّمَا خَرَجَ جَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِ مَا سُئِلَ عَنْهُ ، فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْجَوَابَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ ، وَأَجَابَ عَمَّا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ مُوهِمًا أَنَّهُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ ، وَلَمْ يُنَبِّهِ السَّائِلَ ؟ ! هَذَا لَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا .
[ ص: 1121 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ : " إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ بِدُونِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ " ، فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي زَادَهَا ثِقَةً ثَبْتٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ مِنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ! وَاخْتِصَارُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ لَهَا لَا يَكُونُ قَادِحًا فِي رِوَايَةِ مَنْ زَادَهَا .
وَأَيْضًا ، لَوْ لَمْ تُذْكَرْ فِي السُّؤَالِ لَكَانَ جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَامِلًا لَهَا بِعُمُومِهِ ، كَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ وَأْدَ الصِّغَارِ لَا الْكِبَارِ ! وَلَا يَضُرُّهُ إِرْسَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ لَهُ ، وَإِنَّمَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ الْوَائِدَةَ وَالْمَوْءُودَةَ فِي النَّارِ " جَوَابٌ عَنْ تَيْنِكَ الْوَائِدَةِ وَالْمَوْءُودَةِ اللَّتَيْنِ سُئِلَ عَنْهُمَا ، لَا إِخْبَارٌ عَنْ كُلِّ وَائِدَةٍ وَمَوْءُودَةٍ ، فَبَعْضُ هَذَا الْجِنْسِ فِي النَّارِ ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الشَّخْصُ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي فِي النَّارِ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=15541بِشْرِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17261هَوْذَةَ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنْ
عَوْفٍ ، عَنْ
خَنْسَاءَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ قَالَتْ :
[ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ : ] قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350541النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ " رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ
عَوْفٍ .
وَأَخْبَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَتَعَارَضُ ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ دَالًّا عَلَى أَنَّ بَعْضَ هَذَا الْجِنْسِ فِي الْجَنَّةِ ، وَبَعْضَهُ فِي النَّارِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
[ ص: 1122 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ، فَهَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا هُوَ إِقَامَةٌ لِحُجَّتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى تَعْذِيبِ مَنْ وَأَدَهَا : إِذْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقِّهَا . وَأَمَّا حُكْمُهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا هِيَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِيهَا بِغَيْرِ حُكْمِهِ فِي الْأَبَوَيْنِ ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .