( الرابع )
اختلف الناس والصحابة ومن بعدهم قديما وحديثا في صافي بن صياد أو غيره ؟ قال الحافظ الدجال هل هو ابن حجر العسقلاني في شرح : مما يدل على أن البخاري ابن صياد هو الدجال ما أخرج مسلم في صحيحه عن قال رأيت محمد بن المنكدر يحلف بالله أن جابر بن عبد الله ابن صياد هو الدجال ، فقلت له أتحلف على ذلك ؟ قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرجه أبو داود في سننه .
وفي تذكرة القرطبي عن نافع قال كان رضي الله عنهما يقول والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن عمر ابن صياد . أخرجه أبو داود وإسناده صحيح .
وفي ذلك عدة أحاديث وآثار صحيحة إلا أنها ليست صريحة ولا نصا في أن ابن صياد هو الدجال ، وقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن رضي الله عنه مرفوعا " أنس بن مالك أصبهان - قال يخرج الدجال من يهودية أبو نعيم كانت اليهودية من جملة قرى أصبهان وإنما سميت اليهودية لأنها كانت تختص بسكنى اليهود ولم تزل كذلك إلى زمن أيوب بن زياد أمير مصر في زمن فسكنها المسلمون وبقيت لليهود منها قطعة . المهدي بن المنصور العباسي
وحاصل كلام الحافظ ابن حجر أن الأصح أن الدجال غير ابن صياد ووافقه في الإشاعة ، وإن وافقه ابن صياد في كونه أعور ومن اليهود وأنه ساكن في يهودية أصبهان ففي خبر رضي الله عنهما قال : ابن عمر ابن صياد مرتين فذكر المرة الأولى ثم قال لقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه قال فقلت متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال لا أدري ؟ قال قلت لا تدري وهي في رأسك ؟ قال إن شاء الله خلقها في عصاك هذه .
قال فنخر كأشد نخر حمار سمعت ، فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأما أنا فوالله ما شعرت .
قال وجاء ودخل على أم المؤمنين ابن عمر حفصة رضي الله عنها فحدثها فقالت ما تريد إليه ؟ أما أنه قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أول ما يبعثه على الناس [ ص: 108 ] غضب يغضبه " وقد كان أمير المؤمنين رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذرني يا رسول الله أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم إن يكن هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله عمر بن الخطاب . ذكره في التذكرة وغيره . لقيت
وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال لما فتحت أصبهان كان بين عسكرنا وبين عسكر اليهودية فرسخ فكنا نأتيها ونمتار منها فأتيناها يوما فإذا اليهود يضربون فسألت صديقا لي منهم فقال ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل فبت عنده على سطح فصليت فلما طلعت الشمس إذا الوهج من قبل العسكر فنظرت فإذا هو ابن صياد فدخل المدينة يعني اليهودية فلم يعد حتى الساعة .
قال الحافظ ابن حجر : وحسان بن عبد الرحمن ما عرفته وباقي سنده ثقات .
وقد أخرج أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة . وأخرج الترمذي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعا " أبو بكرة ثم نعت له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال " أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار وأمه فرضاخية طويلة اليدين " . قال أبو بكرة فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا حتى دخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما فقلنا هل لكما ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثم ولد لنا غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه . قال فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال ما قلتما ؟ قلنا : وهل سمعت ما قلنا ؟ قال : نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي والزبير بن العوام . قال يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد ثم يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث . وأخرجه حماد بن سلمة . أبو داود الطيالسي
والحاصل أن كون الدجال هو ابن صياد بعيد بل ضعيف وحديث أبي داود الذي رواه عن جابر أن ابن صياد فقد يوم الحرة صحيح السند ورواه غيره بسند حسن فهو يضعف خبر أنه مات بالمدينة وأنهم صلوا عليه لأنه [ ص: 109 ] أسلم وأنهم كشفوا عن وجهه ولا يلتئم أيضا مع خبر حسان بن عبد الرحمن المار لأن فتح أصبهان كان في خلافة عمر كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها ، وبين شهادة سيدنا عمر رضي الله عنه ووقعة الحرة نحو أربعين سنة .
وحاصل كلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري وكلام غيره أن الأصح أن الدجال غير ابن صياد كما تقدم ويؤيده ما أخرجه من طريق نعيم بن حماد جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود قالوا جميعا الدجال ليس بإنسان وإنما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر وكثير بن مرة اليمن كما تقدم .
قال الحافظ ابن حجر وهذا لا يمكن مع كون الدجال هو ابن صياد .
وأما ما أخرجه أبو داود في خبر الجساسة من حديث قال شهد أبي سلمة بن عبد الرحمن جابر أن الدجال هو ابن صياد قلت فإنه قد مات . قال : وإن مات ، قلت فإنه قد أسلم ، قال وإن أسلم . قلت فإنه قد دخل المدينة ، قال وإن دخل المدينة . فإن صح ذلك فهي شهادة على حسب ظنه وما وقر في صدره من اعتقاده أنه ابن صياد .
وأما ما ذكره سيف بن عمر في كتاب الفتوح والردة من أنه لما نزل المسلمون على سوس وأحاطوا بها وناشبوها القتال أشرف عليهم يوما الرهبان والقسيسون فقالوا يا معشر العرب إن مما عهد إلينا علماؤنا وأولياؤنا أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم فيهم الدجال فإن كان الدجال فيكم فتفتحونها وإلا فلا تعنوا بالحصار . قال وصافي بن صياد يومئذ مع رضي الله عنه في جنده فأتى النعمان بن بشير صافي بن صياد باب السوس غضبان فدقه برجله وقال افتح فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون . فالمصحح خلافه .
قال الحافظ ابن حجر وغاية ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم وخبر الجساسة وبين أحاديث كون الدجال هو ابن صياد أن الدجال هو الذي رآه تميم موثقا بعينه وأن ابن صياد شيطان ظهر في صورة الدجال تلك المدة التي قدر الله خروجه فيها ثم ذهب وهذا ممكن والله أعلم .