إذا علمت ذلك ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( فخروج الدابة المذكورة ثابت بالكتاب والسنة وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) وأما السنة فكثيرة منها ما في حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " " وفي حديث دابة الأرض طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب رضي الله عنه مرفوعا " أبي هريرة تخرج دابة الأرض من أجياد فيبلغ صدرها الركن اليماني ولم يخرج ذنبها بعد وهي دابة ذات قوائم " .
وفي حديث حذيفة يرفعه " أول ما يبدو منها رأسها معلمة ذات وبر وريش " . وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها .
وروي فلا يخرج إلا رأسها فيبلغ عنان السماء وتبلغ السحاب . وقال رضي الله عنه فيها من كل لون وما بين قرنيها فرسخ للراكب . أبو هريرة
وقال وهب : وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير . وقال : رأسها رأس الثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إبل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب تيس ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثني عشر ذراعا بذراع ابن جرير آدم عليه السلام .
وقال كعب : صوتها صوت حمار . وأخرج الإمام أحمد ، ، والترمذي ، وابن ماجه والحاكم من حديث رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة سليمان ، وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتخطم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا : يا مؤمن ويقول هذا : يا كافر " . تخرج الدابة ومعها خاتم
وأخرج الإمام أحمد أيضا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا " " . تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم ثم يشتري الرجل الدابة فيقول ممن اشتريت فيقول من الرجل المخطم
وقال رضي الله عنهما إن لها عنقا مشرفا أي طويلا [ ص: 147 ] يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، ولها وجه كوجه ابن عباس الإنسان ، ومنقار كمنقار الطير ، ذات وبر وزغب .
وعن رضي الله عنهما أنها ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلها ولها من كل أمة سيمة وسيماها من هذه الأمة أنها تكلم الناس بلسان عربي مبين وتكلمهم بكلامهم . ابن عباس
( قوله ) ذات زغب أي عليها زغب وهو صغار الريش أول ما يطلع كما في النهاية ، والأيل بفتح الهمزة وكسر التحتية مشددة وبضم وبفتح ( الواو وكسر ) العين وهو تيس الجبل والسيمة العلامة .
وعن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه قيل له إن ناسا يزعمون أنك دابة الأرض فقال : والله إن لدابة الأرض ريشا وزغبا وما لي ريش ولا زغب ، وإن لها حافرا وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا وما خرج ثلثاها . علي بن أبي طالب
وفي الميزان للحافظ الذهبي عن جابر الجعفي أنه كان يقول : دابة الأرض . علي بن أبي طالب
قال الذهبي وكان جابر الجعفي شيعيا يرى الرجعة - أي أن عليا يرجع إلى الدنيا .
قال الإمام أبو حنيفة ما لقيت أحدا أكذب من جابر الجعفي ولا أفضل من . عطاء بن أبي رباح
وقال : أخبرني الشافعي ، قال كنا في منزل سفيان بن عيينة جابر الجعفي فتكلم بشيء فنزلنا خوفا أن يقع علينا السقف .
ومع ذلك روى له أبو داود ، ، والترمذي ومات سنة ست وستين ومائة عفا الله عنه . وابن ماجه
وقال ابن الأثير في جامع الأصول : جابر بن يزيد الجعفي ويقال أبو محمد من أهل الكوفة مشهور ، وكان من أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان يقول إن يرجع إلى الدنيا - وذكر ما قاله علي بن أبي طالب أبو حنيفة رضي الله عنه فيه - قال : ومات سنة ثمان وعشرين ومائة .
وقال الحافظ المنذري في آخر كتابه ( الترغيب والترهيب ) : جابر بن يزيد الجعفي الكوفي عالم الشيعة ترك حديثه ، وقال يحيى القطان وغيره : متروك ، ووثقه النسائي شعبة ، ، وقال وسفيان الثوري : ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن وكيع جابر الجعفي ثقة . والله أعلم .
قال العلماء رحمهم الله تعالى كما في الأحاديث أن مع عصا الدابة موسى [ ص: 148 ] وخاتم سليمان عليهما السلام وتنادي بأعلى صوتها ( أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) وتسم الناس المؤمن والكافر فأما المؤمن فيرى وجهه كأنه كوكب دري ويكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء ويكتب بين عينيه كافر ، فلا يبقى مؤمن إلا نكت في مسجده بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه .
وفي رواية . فتلقى المؤمن فتسمه في وجهه نكتة فيبيض لها وجهه ، وتسم الكافر نكتة يسود لها وجهه
وفي أخرى فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتخطم أنف الكافر بالخاتم حتى أهل الخوان ليجتمعون فيقولون لهذا : يا مؤمن ، ولهذا : يا كافر ، ويتعوذ بعض الناس منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان ، الآن تصلي فيقبل عليها فتسمه في وجهه ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن الكافر وبالعكس حتى إن المؤمن ليقول للكافر يا كافر اقض حقي ، وتستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفذها ، ثم تستقبل الشام فتصرخ صرخة تنفذها ، ثم المغرب واليمن كذلك .
وأخرج في الفتن ، نعيم بن حماد والحاكم في المستدرك ، عن رضي الله عنه ، قال : لا يلبثون - يعني الناس - بعد ابن مسعود يأجوج ومأجوج حتى تطلع الشمس من مغربها ، وجفت الأقلام وطويت الصحف ولا يقبل لأحد توبة ، ويخر إبليس ساجدا ينادي إلهي مرني أسجد لمن شئت ، وتجتمع إليه الشياطين تقول يا سيدنا إلى من نفزع فيقول إنما سألت ربي أن ينظرني إلى يوم البعث فأنظرني إلى يوم الوقت المعلوم وقد طلعت الشمس من مغربها فهذا يوم الوقت المعلوم . وتصير الشياطين ظاهرة في الأرض حتى يقول الرجل هذا قريني الذي كان يغويني فالحمد لله الذي أخزاه . ولا يزال إبليس ساجدا باكيا حتى تخرج الدابة فتقتله وهو ساجد .
قال العلماء في مكر منه وخداع وجهل برب العالمين فإنه إنما حاول أن لا يذوق الموت لأن يوم البعث ليس بيوم موت وإنما هو يوم بعث ونشور وإحياء وبعثرة لمن في القبور فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقبض إذ ذاك إبليس أو غيره وإنما ذلك يوم الجزاء فأجابه العليم الحكيم بأنه منظر إلى يوم الوقت المعلوم . سؤال إبليس أن ينظر ليوم البعث
وهذا أصح من بأن [ ص: 149 ] إبليس إنما يذوق الموت يوم الحشر كما ذكره كعب الأحبار في العرائس ، وبالله التوفيق . الكسائي