الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( ( تنبيه ) ) :

ذهب جمع إلى أن الموت عرض ومعنى ، والأعراض لا تنقلب أجساما ، بل زعم بعضهم أن الموت عدم محض ، وبه قال الزمخشري ، وأجابوا عن قوله تعالى ( خلق الموت والحياة ) بأن الخلق في هذه الآية التقدير ، فإن قيل : فعلى هذا كيف يأتي الموت في صورة كبش فيذبح ؟ فالجواب : نقل الحكيم الترمذي أن مذهب السلف في هذا الحديث الوقوف عن الخوض في معناه ، فنؤمن به ونكل علمه إلى الله .

وأجاب بعض أهل العلم أن : لعل هذا الكبش في صورة ملك من الملائكة الذين يقبضون أرواح الخلائق .

[ ص: 236 ] وإلا فالموت في نفسه عدم محض راجع إلى سلب الحياة ، أو هو استعارة وكناية عن الخلود الدائم ، فضرب المثل بالموت ولا موت هناك حقيقة ، انتهى .

وذهب جماعة إلى أن الموت جسم لا عرض ، وأنه مخلوق في صورة كبش ، والحياة في صورة فرس ، قال الإمام أبو حسن الأشعري :

الموت أمر وجودي لقوله تعالى ( خلق الموت والحياة ) والعدم لا يخلق .

كل هذا ملخص من كلام الشيخ مرعي - رحمه الله تعالى .

وقال النووي في شرح مسلم : يتأول الحديث على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم ثم يذبح مثالا ، لأن الموت لا يطرأ على أهل الآخرة .

قلت : وهذا غير مرضي ولا معول عليه ، والدليل على أن الموت جسم في صورة كبش ما أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى : ( خلق الموت والحياة ) قال :

الحياة فرس جبريل ، والموت كبش أملح .

وقال مقاتل والكلبي : خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات ، وخلق الحياة في صورة فرس لا يمر على شيء إلا حيي .

وأخرج أبو الشيخ ابن حيان في كتاب العظمة عن وهب بن منبه قال :

خلق الله الموت كبشا أملح مستترا بسواد وبياض ، له أربعة أجنحة جناح تحت العرش ، وجناح في الثرى ، وجناح في المغرب ، وجناح في المشرق ، قال له كن فكان ، ثم قال له ابرز فبرز لعزرائيل .

قلت : الذي نذهب إليه أن الموت أمر وجودي ، وأنه جسم لا عرض ، وأنه مخلوق في صورة كبش أملح ، وأن الحياة في صورة فرس كما صحت بذلك الأخبار عن النبي المختار ، ونقله الأئمة ودونه الجهابذة الأخيار ، على أن كثيرا من العلماء أشار إلى أن جميع المعاني المعقولة عندنا مصورة عند الله تعالى بصور الأجسام ، ومشخصة بهيئة الأشخاص ، وإن كنا لا نحس ذلك لكوننا محجوبين عنه ، والأحاديث النبوية ناطقة بذلك شاهدة له ، فإنه قد ورد عدة أخبار أن الأعمال تعرض في صورة أشخاص ، الإسلام والصلاة والصيام والمعروف والذكر ، فهذا كله يدل على ما ذكرناه ، وبالله التوفيق .

( فائدة )

ذكر في البدور السافرة أن عند إسماعيل بن زياد الشامي [ ص: 237 ] في تفسيره أن الذي يتولى ذبح الموت جبريل عليه السلام ، وقيل : يحيى بن زكريا عليهما السلام ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية