( ( لأنه سبحانه لم يحجب إلا عن الكافر والمكذب ) )
[ ص: 245 ] ( ( لأنه ) ) أي : الرب ( ( سبحانه ) ) وتعالى ( ( لم يحجب ) ) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم مبنيا لما لم يسم فاعله ، أي : لم يمتنع سبحانه من أن يمكن عباده من رؤيته في دار القرار ( ( إلا عن الكافر ) ) بالله تعالى ، وبكل مكفر اتصف به ، فكل ، قال من حكم الشرع بكفره فهو محجوب عن رؤية ربه : سألت علي بن المديني عن رؤية الله تعالى فقال : ما حجب الله - عز وجل - أحدا عنه إلا عذبه ، ثم قرأ ( عبد الله بن المبارك كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) قال بالرؤية ، وقلت له : يا أبا عبد الله إن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ، وأهل الجنة يرون ربهم ، فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا ، وقال : أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين ، والتابعون أخذوه عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فهم عن من أخذوه ؟ . وقال : أتينا قبيصة بن عقبة أبا نعيم يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في داره فجلس وسطها كأنه مغضب ، وقال : حدثنا سفيان بن سعيد ومنذر الثوري ، وحدثنا وزهير بن معاوية ، وحدثنا حسن بن صالح ، وهؤلاء أبناء شريك بن عبد الله النخعي المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة حتى أن يهوديا صباغا يزعم أن الله لا يرى - يعني . وقال بشرا المريسي : لم يزل يملي لهم - يعني المبتدعة من عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون الجهمية أو أضرابهم - الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) فقالوا : لا يراه أحد يوم القيامة ، فجحدوا والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه الكريم ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فورب السماء والأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجوههم دون المجرمين ، ويفلج بها حجتهم على الجاحدين ، وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا يرونه كما زعموا أنه لا يرى ، ولا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم .
ولذا قلنا ( ( و ) ) يحجب أيضا عن ( ( المكذب ) ) برؤيته ، وتكليمه لعباده المتقين ، وكما أشار إليه الإمام في قوله تعالى [ ص: 246 ] ( عبد الله بن المبارك كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) قال بالرؤية كما ذكره . وقال سيدنا ابن أبي الدنيا - رضي الله عنه : الإمام أحمد . من لم يقل بالرؤية فهو جهمي
وقال وقد بلغه عن رجل أن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا وقال : من قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر - أو فقد كفر - عليه لعنة الله وغضبه كائنا من كان من الناس ، أليس يقول الله - عز وجل - ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وقال ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وقال أبو داود : سمعت يقول : من قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر . الإمام أحمد
وقال : قيل أبو بكر المروذي لأبى عبد الله - رضي الله عنه - عن ، عن يزيد بن هارون أبي العطوف ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه : إن استقر الجبل فسوف تراني ، وإن لم يستقر فلا تراني في الدنيا ولا في الآخرة ؟ فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه ، وكان قاعدا والناس حوله ، فأخذ نعله وانتعل وقال : أخزى الله هذا ، لا ينبغي أن يكتب عن هذا ، ودفع عن ( أن يكون ) رواه أو حدث به ، وقال : هذا جهمي كافر مخالف لما قال الله - عز وجل - ( يزيد بن هارون وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وقال ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) يخزي الله هذا المحدث .
وقال أيضا : من كذب بالرؤية فهو زنديق ، قال - رضي الله عنه : نؤمن بها أي الرؤية وأحاديثها ونعلم أنها حق فنؤمن بأن الله يرى ، نرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب . الإمام أحمد
وقال : من فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره ، فيستتاب فإن تاب ، وإلا قتل ، وقال في رواية زعم أن الله لا يرى في الآخرة حنبل وسأله عن أحاديث الرؤية ، فقال : هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ، ونقر بها ، وكل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد أقررنا به .
وقال أبو عبد الله : إذا لم نقر بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفعناه رددنا على الله أمره ، قال الله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )